تحت عنوان: اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج5

مؤسف/5

نوح وفساده والتناقض في القصة الدينية وصناعة الخرافة:

إذا، كنا قد توقفنا في الجزء السابق عند عنوان جدلي يدفع الانسان الباحث الى التساؤل الحقيقي:

– كيف يمكن لرجل صالح يقول الاله من اجله سأغرق الأرض بمن فيها ويأمره بصناعة سفينة نجاته، ومن اجل دعمه في دعوته يعطيه كل أنواع القوة والصبر والتحكم، ويعينه في تثبيت حقيقته في مواجهته الاجتماعية مع الخلائق كلها ويسخر له العماليق لتعمل معه كإبن اخته “عوج ابن عناق الذي كان يصطاد السمك بيده ويشويه على اشعة الشمس من طوله وارتفاعه” ليتحول لاحقا الى فاسدٍ يختمر ويتعرى ويداعب نفسه طفل مجنون حتى تنكشف عورته ويتحول الى شتام وسبّاب ولعّان للأحفاد؟

وقبل الذهاب الى تبيان هذه النقطة في مسألة فساد نوح يجب ان نبين: مسار سفينة نوح،

وسوف نبين حقيقة مسار سفينته من بحر الظلمات (قزوين) الى ارض الحياة (الجودي).

مسار سفينة نوح:

بعد ان انتهى الطوفان، وبدأ غوص الماء تدريجيا، وعادت الأرض الى طبيعتها، وذلك بعد ان بلغت السفينة العائمة مسارها بدورة كاملة استمرت لمدة تسعة اشهر، لتواصل طريقها من جهة الشمال للأرض متابعة نحو جهة الجنوب لينتهي بها الامر على رأس جبل مرتفع “الجودي”، في الشمال الشرقي لسورية الطبيعية (العراق حاليا)، والسبب لرسوها على هذا الجبل هو انحسار الماء تدريجيا، وهي التي كانت تعبر فوق بحر الظلمات (الميثولوجيا) والمؤلف من بحر قزوين حاليا والبحر الأسود، واللذان كانا يُعرفا ببحر الظلمات، وكانا متحدان الى زمن ليس ببعيد، وقبل انحسار الماء وتحولهما الى شبه بحيرات كبرى اتخذ احدهما اسم بحر قزوين والأخر البحر الأسود (مركب الاسم ميثولوجي تماما) …

ومن هنا نجد بان السفينة كانت تقف فوق منطقة عرفت تاريخيا بمنطقة ارارات، والتي هي بالعمق السوري الممتد جغرافيا بين إيران وتركيا بما يعرف حاليا (ار – مينيا)، وهو المسار الوحيد البري الذي يمكن ان يسلكه الانسان للتنقل نحو ارض الحياة وبلاد الشمس (سورية)، وهذا هو تفسير وصول الأرمن سيراً على الاقدام نحو الأراضي السورية بعد الاضطهاد التركي العظيم لهم، وللعلاقة الميثولوجية التاريخية بين الشعب السوري وسكان تلك المنطقة، وتشابك المعتقدات واللهجات وحتى تشاب المفردات واللغة (الأرمنية + السريانية) لاصل واحد (غباري) أيضا. وبعد ان تأكد نوح من ان الحياة اخذت تعود تدريجيا، والطبيعة اخذت تظهر تدريجيا، كانت سفينته تسارع الخطى من فوق بحر الظلمات بشكل يدفشها او يدفعها موج عظيم عرف الموج هذا باسم “القزا”، وهو من فعل “القازاه”، وهذا الحال كان بين تفسيرين / ان القزا هي عملية دفع السفينة بعنف، او وثبها فوق الموج وثباً، ليتحول البحر الى بحر القزوي، والذي كان يحدثه (اله الشر)، (ميثولوجيا) وهو عدو الله (الشيطان ) (رواية دينية)، وأراد الشيطان اغراق السفينة والقازاه هو احد السماء الشيطان، (مع تبديل الالف واو وفق بعض اللهجات السورية التاريخية والحالية (قازاه او قوزوه)، ومنها جاءت كلمة “قاس قوزاه” والتي عربت لاحقا الى “قوس قزح”، وهو تعدد الألوان التي يفرضها الانتقال الشتوي نحو الاعتدال الربيعي، وحين تبدأ الحياة بالتجدد، وتطرد الأرواح الشريرة التي كانت تسيطر على الطبيعة طيلة فترة الشتاء ..، ويتم فيها اعلان نهاية سيطرة الشيطان، وعودة ادون-أي الى الحياة (قصص ميثولوجيا).

وصول نوح الى منطقة منشأ الحياة وتجدها:

اذا، بعد هذا الصراع العظيم فوق سطح الماء العظيم، كانت تنتصر إرادة اله الخير “الله” اخيراً، وتبدأ الحياة من جديد والوثب العظيم للقزا دفع بالسفينة الى اخر نقطة من امتداد جبل ارارات، والتي تلتقي عند نقط الالتقاء لسلسلة جبال طوروس وزغروس لتمتد نحو الداخل الى ارمينا على مسار جغرافي طبيعي تبدأ في ارمينا باسم (ارارات) ينتهي من جهة سورية عند الحدود التركية بمنطقة اسمها “الجودي”، وهي مركب لثلاث كلمات من اللهجة الخورية والتي كان يحكيها سكان تلك المنطقة، وهي امتداد للغة الغبارية والتي فيها “جو+ اد +أي” (او غو -دا- أي “غودي”) وفقا للغات الحية الحالية من كردية وسريانية، ولها نفس المعنى، حيث اجتمعت الطبيعة مع الماء، وسميت الجو+ ادد + أي حيث تم اتحاد الأرض والسماء بالماء، والتي عربت الى كلمة “الجودي”، اما كلمة (ارارات) فهي أيضا امتداد للقصة عينها لان عودة نشأة الحياة جاءت من هذه النقطة، ولان نفس كلمة ارارات وباللهجة الخورية تعني : منشأ الحياة او نشأة الحياة، ثم ينزل نوح على سفح الجبل ويسير باتجاه الأرض التي انطلق منها، وبعد ان عام بسفينته ما يقرب 53 أسبوع، وهنا كان مضطرا ليعبر اخطر منطقتان هما جبال العواصف التي كان يعتقد الانسان السوري قديما بان اله العواصف يسكنها واسمه زغرو..، واعطاه الاغريق كعادتهم بلفظ الكلمات مضافة اليها بإضافة (الاوس) في اخره وأصبح “زاغروس”، وامنوا به أيضا الهاً للعواصف ليكمل طريقه الى أعالي منطقة تورو، وأيضا هذه الكلمة تعني “الثور” وأصبحت توروس لنفس المعنى الاغريقي، وتم تعريبها الى “طوروس” وبقيت نفس المعنى وهي دلالة على الاله الذي كان يسكن تلك المنطقة، والذي كان يتجسد بشكل ثور ويرمز على الحياة والعمل، وأيضا عبده الاغريق كاله يقوم بتجديد الحياة..، ولهذا قصة طويلة مرتبطة ارتباطاً تاماً بحقيقة ارتباط الثور بالفلح والزراعة كأحد اول الحيوانات التي دجنها الانسان عاملة معه في بَضع الأرض وحرثها وزرعها.

ميثولوجيا الأسماء والدين والتناقض في سفينة نوح:

وتقول بعض الروايات الميثولوجية والدينية على اختلافها على ان سفينة نوح قد عامت بأمر “ربها” او “الالهة” التي دعت العبد الصالح الى بنائها، وطلبت ان يكتبها عليها الأسماء التي سوف ينجي بسببها او التعويذة التي سينجو بها، وهذه الأسماء مقدسة في عقل صانعها لأنها في كلتا الروايتين تقول بان الحياة أنشأت من اجلهم، واللافت جدا هو اتفاق الجميع على هذه الأسماء بانها للأشخاص عينهم على مر العصور مع الاختلاف باللفظ والاتفاق بالمعنى وهي:

ممداي او ممدايم – ايلاي او إيليا -شبر- شبير- بطاماي وفي اصل الأسماء (ممدايم : الشخص الجيد، ائيل-أي (أي اله الماء) شبر: الشخص الحسن، شبير تصغير حسن وبطاماي (أي الطين اللازب او الطمي المقطوع من تراب وماء)

وإذا ما دقننا ببعض القصص الدينية سنجد بانها جميعها تتفق على هذه الأسماء الغبارية كما ذكرت في قصص اسناد التوراة، كذلك قصص الأسناد الانجيلية، واللهجات السريانية-الكردية- العبرانية- الاشورية-البابلية مع بعض التحوير اللفظي وفق اللكنة او اللهجة فقط، والتي تعني حرفيا بالاتفاق اللغوي بالترتيب هي: (محمد + على + حسن + حسين + فاطمة)، واي مصادفة تتفق عليها كل هذه الجماعات، ثم تختلف عليها في الايمان الديني لاحقا، ولا تنكر أصلها وتعمل على عدم التطابق فيها مع الاعتراف بوجودها، وما سبب هذا الاختلاف؟ ولماذا؟

اليس هذا تناقضاً عجيباً لصاحب القصة واصل الرواية؟

ولكن، لاحقا، حين سنكتشف السبب بانه مرتبط بكيفية توزيع البشر حسب أولاد نوح سنقف على اصل السبب وهو السبب في عمق الاختلاف الديني، والذي تجاهله الميثولوجي لعدم أهميته في عقل الباحث، ولرفضه للبحث في اصل الأسماء كي لا يقع في فخ الاقناع الذاتي بحقيقتها فيتورط بإثبات النظرية الدينية، فيتجاهل القصة، ثم ينفيها، ثم يحولها الى ميثولوجيه يقدس فيها تقدم العقل البشري حينها وتطوره بصناعة القصص والملاحم رافضا اخذ التاريخ دفعة واحدة، وسياق متصل، فحوّله الى محطات منفصلة، بسياقات مختلفة، يأخذ منها ما يوافق نزوعه، ويرفض منها ما يخالف هذا النزوع الذي فيه.

عبور نوح الأول الى بلاد ما بين النهرين

سار نوح بكل تأكيد سيراً على الاقدام ومن معه حتى وصل الى ارض الرافدين عند التقاء نهري الحياة وشرايينها “سيحون وجيحون” (دجلة والفرات) حاليا، واراد ان يرتاح هناك قليلا ليكمل طريقه نحو جنة الخلد التي وعده ربه ان يرثها بعد عقابه للكافرين، ولما جلس نوح ومن معه ليستريحوا من عناء التنقل، قرر الاحتفال فرحا بعودة الحياة ونجاته ومن معه..، وأطلق اول أعياد الفرح..، عيد عودة الحياة …، عيد النيروز + عيد غوص الماء وعودة نسيم الحياة..، عيد ال”بريخو” معتبرا بانه عيد السعادة وعودة الحياة من جديد بعد دورة كاملة لسفينته وبعد اعلان الاتحاد بين ال “اكاي” + “تو” أي الاتحاد بين قوة الحياة المتمثلة بالماء والطين والتي تم جمعها بكلمة (اكايتو) ومع مرو الزمن اهمل الالف وفقا للهجات المتعددة ليرسو عند: (اكيتو)، وهنا تبدأ الحكاية من جديد ويظهر فساد نوح الذي احتفل بعودة الحياة (الاكيتو) بكل (بريخو)، لتتوافق الميثولوجيا مع الدين بصناعة اول أعياد الوهم لفرح بشري، واعطوه اسم (اكيتو بريخو)، وتفسيرها (سعادة عودة الحياة)، او (الفرح بيوم الحياة)، وفقا للرواية الدينية (التوراتية + الانجيلية) يتفقان مع نفس المعنى والعيد : عودة الحياة، وهنا تقع الكارثة التاريخية في عملية التزوير، والخلط بين الرواية الدينية والميثولوجية، وتحويل ما هو ديني الى ميثولوجي، وتحويل ما هو ميثولوجي الى ديني، بعملية خداع تاريخية لتعويم جماعة معينة على حساب مخلوقات الأرض كلها…، لان هذه العيد هو عيد منح الرب وعده لأبناء سام بان يسودوا بمباركة ابيه نوح الأرض ويسلبون حام وولده كنعان واحفاده حقوقهم الملعون على لسان ابيه نوح…، ليتحول العيد نفسه الى عيد جغرافي-قومي-ديني-ثقافي-ميثولوجي ويختلط الحابل بالنابل… وجاء العلم ليكحلها فعماها بان تبنى نظرية الميثولوجيا والقومية للعيد ليسحب منه ظاهرة التدين..، فنجح بأمكنة وفشل بأمكنة أخرى (ايران-تركيا-سورية- مصر) كلها تحتفل بنفس العيد وبمسميات متقاربة.

والسؤال: من يمتلك الحقيقة من كل هؤلاء؟

احتفالية نوح ووقوعه بالخطيئة:

لنتوقف هنا، وبعيداً عن السرد التاريخي لعبور نوح اتيا من بحر الظلمات، او بحر القوز ..، (البحر الواقع فوق جبل) او من نقطة النشوء او نشأة الحياة، (ارارات)، وبعد كل ما تكبد من عناء، وبعد ان أغرق الاله الأرض بمن فيها من اجل دعمه في دعوته، وبعد ثبات كفر او عدم ايمان شعبه وشعوب الأرض كلها بدعوته، ولتقرب الانسان أكثر من عبادة القوزاه.. (الشيطان)، ومع كل ما فعله الاله لنوح.. ماذا جرى؟

نوح يسقط بالخطيئة:

بدأ نوح يحتفل فرحا بنجاته بيوم عودة الحياة (بريخو)، واخذ يشرب خمراً حتى ثمل وفقد عقله كما تروي الرواية الانجيلية والتوراتية، وهنا بدأ يمارس اعمال غير مسؤولة حتى انه خلع ثيابه، وأصبح عريان لا يخجل من فعلته، وكلما دخل عليه أحد أبنائه وسأله عم يجري كان يقرعه وينهره ويزجره ويخرجه من صومعته..، حتى ذاق به الجميع ذرعا، وبقي على هذه الحال فترة طويلة الى ان دخل عليه ابنه حام ذات مرة فوجده عريان يتلهى بذاته.. فوبخه على فعلته، (ابن يوبخ ابيه) والنتيجة (اللعنة من الاب للابن بأحفاده وليس بنفسه)، فقام نوح بلعن حفيده ابن حام.. بصورة غريبة.. وهو المختمر والسكران العاري الذي يمارس الرذيلة.. يدخل عليه ولده فيلعن حفيده!!!

– ما السر في هذه القفزة التاريخية من حام الى احفاده راساً “لعن كنعان”؟

– اليس في صناعة هذه الرواية الدينية العجيبة سر مخفي عظيم وقطبة خفية؟

– فلماذا لم يلعن نوح “حاماً” ولده ولعن “كنعاناً” حفيده؟

وهنا ابتداء القصة الاتية..، حيث تروي الرواية بان ثلاثة من أبناء نوح امنوا برسالته (سام وحام ويافث) كما تروي كل الروايات الدينية والرابع كفر ولم ينجو ويقال أيضا انه اسمه “كنعان” او “ايان” اسمان لشخص واحد ولنسق واحد..

نوح وأولاده واصول البشر:

قسم الرواة والنساخون وأصحاب الروايات الدينية البشرية الى ثلاث أصول كلها تعود بالأبوة الى نوح، ومن هنا نجد بان النسقية الى ادام أصبحت مقطوعة التعدد وهي ذات أحادية العلاقة الجبرية عبر نوح فقط، ومن نوح عبر أولاده..، وتكتمل فصول الرواية لاحقا بتقسيم البشرية بشكل مريب فكانت:

– اليافثيون : التي نسبت اليونان والمأغوغ واهل القوقاز الى يافت

– الحاميون : والسوريين على انواعهم الى أبناء حام ومنهم الكنعانيين والاراميين والكلدان وبقية الشعوب المنحطة وشعوب افريقيا وغيرهم

– الساميون: فاليهود نسبوا أنفسهم الى سام وبعض الشعوب التي ارتبطوا معها بعلاقة ثقافية كالعرب البائدة او الشعوب المتطورة وبعض الشعوب المنقرضة

إذا ما دقننا في هذا التقسيم، وقارناه بمسألة خطيئة نوح، وفعلته، سنجد القطبة المخفية في القرون المقبلة، وأسباب العدائية التي صنعتها الكتب التي تسمي نفسها مقدسة، بينما هي تروي روايات صنعتها بنفسها، وبعقول أصحابها لتمرير مشاريعها السياسية، والاستعبادية، والاستيطانية، والاستعمارية البغيضة.

وكما قالت الرواية: دخل حام على ابيه نوح، فوجده عرياناً سكراناً يمارس الخطيئة والرذيلة، ويمارس وكأنه طفل غبي كل أنواع اللهو والفاحشة، فنهاه ابنه حام عن خطيئته، ولكنه لم يكترث، وبعد مدة استفاق نوح من سكرته، فقال له أبنه سام بانه أخيه حام رأى عورته..، وهنا نسق اخر للرواية، فغضب نوح غضباً شديداً، وبعض الروايات تقول بان حام نفسه دخل على نوح فوجده هذه المرة صاحياً، فأخبره ما جرى معه من نهي وزجر، وبكلتا الحالتين كانت ردة فعل نوح غير مفهومة … فقام بلعنة كنعان ابن حام!!!…، وهو لم يولد بعد!!!..

وقال نوح لحام: (ملعون كنعان ابنك).. وليكن احفادك عبيدا لسام وأولاده واحفاده وليسكنهم ارضك وارض احفادك… (هنا سر الحكاية) ركز بهذه الجملة ومقاصدها التاريخية للرواية التوراتية.. والتي أيضا تجد منها نسخة بالرواية الفارسية للخلق أيضا.. هي نفسها تقول بان نوحا قد لعن كنعان ابن حام بعد ان راه عريان واخبر اخويه ولما غطوا اباهم برقعة لستره اخبروه بما رأى حام .. فقام ولعن احفاده “قائلا ملعون كنعان ابنك” الخ،

والسؤال:

– لماذا نوح وان حق القول له ان يلعن كنعان ابن حام ولم يلعن حام نفسه؟

– فما هو ذنب كنعان حتى يلعنه وهو كان لم يولد بعد؟

– وما هي العلاقة بالقول بان ابن نوح الرابع الذي لم يؤمن برب نوح كان أيضا اسمه كنعان.. وبسبب كفره اغرقه الله؟

– من اعطى أسماء أولاد نوح هذه التسميات؟

لعنة نوح لأحفاده من ولد حام “الكنعانيين”

لا يوجد أي وثيقة، او كتاب تاريخي، او محفورة، او ابدة، او مخطوطة تفيد عن أولاد نوح كما جاء في الرواية “التوراتية”، او ما كان أسمائهم، الا ما ذكرته التوراة وتبنته المسيحية المتأخرة بعد ان تبنت التوراة بصفته العهد القديم، واحدثت في ذاتها تسمية العهد الحديث وعام عهد التزوير ايما عهد في تاريخ البشرية؟

ولكن اذا ما اردنا ان نربط الماضي بالحاضر، وبسياق تاريخي متصل، وبعلائقية المواقف السياسية، والتاريخية، وبمسألة الصراع بين فكرة “الشعب المختار”، ووراثة الأرض، ومسألة الصراع بين اليهود والسوريين سيما منهم “الكنعانيين”، الذي كانوا عمليا يسكنون جنوب سورية (فلسطين حتى سيناي)، يعني ان القصة، ولكي تكون محبوكة جيداً، كان لا بد من اختراع هذه الرواية المشينة التي تبنتها الكتب المقدسة، ولو أدت في احد فصولها الى إهانة نوح وربه، فليس ذلك مهم، فالمهم هو امران اثنان لا ثالث لهما:

1 – وراثة سام وأولاده للأرض وهم أحفاد نوح المقربين منه والمدللين لان الرواية تقول بان سام كان أقرب أولاد نوح اليه، واحبهم اليه، وهو الذي قدمهم على اخوته بأنهم سيرثون الأرض من أولاد عمومتهم ولو بالقوة..

2 – لعنة نوح على أولاد حام واحفاده من بعده، وهم من سيسكنون جنوب سورية التي سينالها منهم أبناء سام بوراثة ووعد إلهى …، وسيطردون أولاد حام منها وهم “الكنعانيين”، لأنهم ملعونين من الرب على لسان نبيه نوح جدهم الاول..

في توكيد الرواية:

وبالعودة الى الرواية الدينية فهي تقول: عندما علم نوح بان ولده حام قد وجده على هيئته سكراناً، ويمارس الرذيلة، ورأى عورته لأنه كان عريان..، غضب نوح غضباً شديداً وصاح قائلا لولده: “ملعون كنعان ابن حام” …

وكنا تساءلنا سابقا ولنسلم جدلا، حام الذي شاهد نوح، فلماذا نوح يلعن كنعان حفيده؟

هي سر اسرار الرواية الدينية التي حوّرت كل تاريخ نوح وطوفانه بما يخدم روايتهم هم عن أصل النشوء، والتطور، واصل الاحياء ونشوء الأشياء، وتقدم الساميون على سواهم خطوة، لا بل في بعض الروايات الدينية تقول بان أولاد حام كانوا اقرب الى القردة بالشكل، ولكنهم كانوا مخلوقين على شكل الانسان ليكونوا بخدمة أولاد عمومتهم أبناء سام..، وهذه النظرية تبناه العلم الحديث مع الأسف ليشارك بجريمة إنسانية تاريخية، وليثبت رواية يهودية- توراتية، فقال بالتطور من الحالة القردية، وبان باقي البشر هم على هيئة انسان واسمهم “الغوييم”، خلقهم الله على صورة ادام، ولكنهم أحط درجة منه ليكون في خدمتهم هم ك”شعب الله المختار”..

هنا يكمن السر والاجابة، فان لعنة نوح لإحفاده من حام هي العملية التي سيبرر فيها لاحقا أبناء سام كل اجرامهم التاريخي بحق كل من يخالفهم الرأي، وسيعتبرونه معادٍ للسامية، كافرٌ بالله وبعبده، وكافرٌ بنوح ونبوته، وهنا علينا حينها تقبل لعنته لإحفاد حام “الكنعانيين”، يعني، باختصار عليك ان تقبل الرواية كما هي، وتلعن كنعان لتبرر طردهم إياهم من ارضهم وتقبل افعالهم الجرمية بحق الاخرين، والا كنت من المعادين للساميين، ووجب قتلك، ومحاربتك، وطردك من ارضك، وتهجيرك، وحق فعلهم بك ما يريدون.. (يعني تقبل الخرافة من تم ساكت).

ربط بين الماضي والحاضر:

ان ربط الماضي بالحاضر ضرورة لفهم قواعد التزوير وكيفيته واسبابه.

فهم، وليبرروا جنوحهم، وسقوطهم الأخلاقي والإنساني، اخترعوا قصة انحراف نوح بحد ذاته، ولو كلفهم هذا إهانة الرب ذاته فلا مشكلة، وثبات انحراف نحو وفساده وشربه للخمر احتفالا حتى فقدانه وعيه ورشده، ولما استفاق من فعلته قام ليلعن احفاد حام الكنعانيين، وليصبح لاحقا هذا “اللعن” شعاراً يتخذه التوراتيون واتباعهم وبعض الانجليين هو: “ملعون كنعان” … شعارا مقدسا لا جدال فيه …

ومن هنا كان رفض اليهود لنبوة المسيح ابن مريم، او دعوته لأنه.. كان كنعانياً.. فرغم كل محاولاتهم تهويده الا انهم فشلوا بذلك لثبات حقيقة ان ال عمران وبكتبهم ورواياتهم أنفسهم هم كنعانيين ومريم منهم.. فكيف يكون الابن يهوديا والام كنعانية؟

– فكيف سيكون نبياً، او قديساً، او رسولاً، او رباً بشريا، او حتى ابن إله، او حتى اله لنسلم جدلا بذلك، وهو من الكنعانيين، وهم ملعونين في اسفار الاولين كما تروي قصصهم؟ وكما يتناقلون فيما بينهم بان الكنعانيين ملعونين من نوح باسم ربه الذي انجاه من الطوفان العظيم؟

فجاء الرفض العظيم منهم له حتى التآمر لقتله مهما كان الثمن.

ومع ان الرواية القرآنية خالفت الروايتان التوراتية والإنجيلية، وحافظت على قداسة نوح ونبوته، ولم توقعه بالخطيئة، وابقت عليه شخصية أخلاقية دينية دعوية، ولكنها لم تكمل ماذا حصل بعد ان عاد نوح من الطوفان الى الأرض، الا بقصص الغراب والديك والحمامة لتتفق بمسألة غصن الزيتون، ولم تذكر شيئا حقيقة عن أولاده، ثم تقفز لاحقا الرواية المحمدية قفزة نوعية نحو الاقوام الاتية بعديدها، وحجمها دون ذكر لاي أصول للبشر من أبناء نوح، وابقت على ان جميع الناس هم أبناء ادام بالنسل، وقصة الخلق المستمرة، ولم تتوقف عند مرحلة انتهاء الطوفان كثيراً، وإعادة صياغة البشرية عبر “النوحنة” كما في الخرافة التوراتية، لتنتهي هنا قصة نوح وابنائه من بعده، ولتتكون الشعوب واستمراريتها ونحن منها …، مع اختلاف الراوية بين الكتب الثلاث، … واختلاف الرواة انفسهم في تقسيم البشر، ولكن لاحقا نساخ التاريخ ابدعوا باختراع قصص الخرافة بما يدهش، وتطابقت الخرافة مع اليهودية على يد النساخة من المسلمين واسموها لاحقا لنفيها ب”اسرائيليات”، كما اسمت الانجيلية تلك الاستنساخات ب”اليهوديات” وفي قصص الرواية والخرافة التي لم يذكر منها أي شي في القرآن الكريم :

– فمنهم من اعتبر اليهود هم أحد أفرع الساميين

– ومنهم من اعتبرهم من أبناء حام نفسه

– ومنهم من اشتق فيهم بأنهم من أبناء يافت

– وتوزعت بقية الأمم بين حام ويافت

– ووقع تناقضا كبيرا في هذه الروايات ليتبين لاحقا: هي الترجمة وحاجات المترجم والممول لتلك الترجمة.. فصنعوا تاريخا موازياً يجافي الحقيقة.

وكل رواية ترتكز على قصص تعتمدها في كيفية تكون اليهودية نفسها، ومن اين أصولها، وبسبب هذا الاختلاف، وقعوا في هذا التناقض الرهيب..، والثابت الوحيد انهم أعداء السوريين من الازل شئنا ام ابينا، وباعترافهم هم، ولعن نوح لإحفاد حام المزعوم في كتبهم على سكرة وعري وخطيئة لا تغتفر..

خاتمة قصة نوح والطوفان والوهم:

السؤال الأخير في هذه السردية المتعلقة بنوح وطوفانه ورحلته وأولاده واحفاده..

– هل نوح وبعد تكبد كل ذلك العناء، وغضب الرب، والطوفان، ثم عودة الحياة، وبعد كل ما جرى، يقوم نوح، ويقع في الرذيلة والخطيئة، ثم يصبح شتاما للأحفاد بغير ذي وجه حق؟

اما ان الاحداث التالية توجبت وجوب هذه القصص الخيالية، والوهم، والروايات المؤلفة من رؤوس أصحابها لتبرير فعالهم في حاضرهم المقيت، وفي افعالهم الاجرامية في المستقبل الاتي؟

نكتفي بهذا الجزء بهذه السردية الشاملة عن كيفية الطوفان، وعودة الحياة، واصل البشر ومسألة التناقض، وقصة فساد نوح، ومسألة لعنته لأحفاد حام “ملعون كنعان”، وكيف تم صناعة الرواية واسبابها، وأول مفاهيم الوهم في صناعة الخرافة الدينية لتمرير ثقافته الدونية التي منها الله براء.

في الجزء المقبل سنمر على بعض المحطات التاريخية وبعض القصص التي مُزج فيها الوهم مع الديني مع الميثولوجي وكيف تحولت بعض الأعياد الى أعياد دينية وكيف تبناها أصحاب الدعوات الدينية بالمضمون على اختلافها مع الفارق الشكلي فيما بينها.

وأسلموا للعلم والمعرفة

د هاشم حسين

باحث في علم الاجتماع

08/04/2023

هذا المبحث يحتاج الى مراجعة وتدقيق، شكرا جزيلا لكم سلفا.

ملاحظة: الصورة تعبيرية لا قيمة حقيقية لها.

ملاحظة الصورة تعبيرية عن الرواية “التوراتية” بنسخة مطابقة منها عن “الفارسية” أيضا. تظهر نوح عاريا ممدا سكرانا ويقف امامه ابنه حام ..

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الثالث “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج4”

تحت عنوان: اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج4

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الثالث “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج3”

تحت عنوان: اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج3

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الثالث “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج2”

تحت عنوان: أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج2

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الثالث “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج1”

تحت عنوان اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج1

شاهد أيضاً

تأكيدا لتصريحات الروس مسؤولون أمريكيون يؤكدون أن الطائرة “إيل-76” أُسقطت بصاروخ “باتريوت”

أكد مسؤولون أمريكيون لصحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الخميس، أن الطائرة “إيل-76” التي كانت تقل أسرى …

اترك تعليقاً