تحت عنوان: اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج4

مؤسف/4

تعريض للنص:

اذاً، الرواية على شقيها قالت بان غضب الله او الالهة، وفي المفهومين الديني والميثولوجي قد وصل الى درجة لا عودة فيها، واخذ قراراً بإغراق الارض بأصل حياتها، اي ب”الماء”، وبهذا يكون قد قضى على كل الموجودات بأصل ذات وجودها ونشأتها ليعيد تشكيلها من جديد بحياة افضل، ولكن اللافت بأن الله طلب من (عبده الصالح) على اختلاف اسمه بالشكل بأن يحمل معه على سفينة الخلاص الاحياء كلهم، ومن كل زوجين اثنين، اي ذكر وانثى، وهنا تلفت لنا الرواية بان الله لم يُعد تجربة الخلق نفسها من اصل نشوئها، بل اكمل مسيرة الخلق عبر الانتخاب أولا، بالتخليق ثانيا بما فيها الانسان. اخذ (النبي الصالح) او (العبد الصالح) معه من الناس من آمن معه، والحقيقة، ان الرواية الدينية تقول بأنه وبعد جهد لألف عام تقريبا استمرت دعوة العبد الصالح بين قومه او شعوب الأرض كما يظهر ببعض الكتابات والدراسات ولم يؤمن به الا القليل، حتى جزء من عائلته عقه ولم يؤمن به، وامره ربه ان يتخلى عنهم ويتركهم فهم مغرقين كغيرهم لأنهم (كافرين).

وهنا يجب ان نعترف:

– هل دعوة نوح كانت تشمل كل سكان الأرض عبر رسل اخرين معه؟

– ام ان الأرض بمفهوم ذلك الزمان كانت محصورة ببلادنا السورية منشأ الرواية نفسها والمنطقة التي شملها الطوفان كانت فقط ارضنا السورية؟

– ام فعلا وصلت دعوة نوح والتي استمرت مدة ألف عام الى كل شعوب الأرض بمشارقها ومغاربها بالتنقل بينها هو بنفسه ورمي الحجة عليها حتى وجب اغراقها بمن فيها؟

لا يمكن الإجابة على هذه الأسئلة من قبل أي أحد على الاطلاق مهما كان عالما او مدّعيا العلم في هذا الشأن.. فالرواية الدينية وخصوصا القرآنية تجزم جزما قاطعا بان الطوفان بلغ الأرض كلها بمن فيها سبع أيام حسوما، وهو النص الوحيد غير المعبوث به بيد بشرية ملحوظة طيلة 14 قرن تقريبا عكس كثير من الروايات والقصص الأخرى التي تبدلت وفق تفكير ناسخيها ومصالحهم وغايتهم الخصوصية / وهذا ما سنراه ببعض القصص التي تبدلت فيه الرواية عدة مرات كمسألة (يأجوج ومأجوج) مثلا.

وتنتهي الرواية هنا، وتغرق الارض بالماء، واتفقت الروايتان الدينية والميثولوجية بان الماء غمر الارض عبر مطر شديد استمر لسبع ايام بلياليها، حتى قضي على كل شيء حي.

الطوفان ونهاية الحياة البدئية:

لم يبق على قيد الحياة، او نجي احد من الغرق الا من كان على السفينة (العظيمة)، ولا احد اخر، ام عدد من ركب السفينة فلم تعيينه لا الرواية الدينية ولا الميثولوجية، ولا يمكن ان يستطيع ان يؤكد العدد احدا ولا حتى حجمها نفسها، وعديد الحيوانات التي كانت عليها، وكيف استطاع نوح ان يجمع الحيوانات اليها، الا اذا، سلمنا جدلاً، بان الله اخذ الامر بذاته وهو “الغالب على امره” وامر كل مخلوقاته ان تتجه الى سورية حيث تشمخ السفينة برسوها للساعة المعلومة لانتهاء الحياة القائمة، ولبدء حياة جديدة، وهكذا تكون الحيوانات اختياريا قد قررت ان تنتخب من جنسها ونوعها اثنين (ذكر وانثى)، بأمر ربها وخالقها وطوعاً، وتأمرهم بالتوجه الى نوح وسفينته على ان يقابل بقية المخلوقات مصيرهم الحتمي برضى طوعي تام بشكل قطيعي لا يخالف الامر ابداً، وهكذا تكون الحيوانات قد سارت جميعها طوعياً الى السفينة، واتت من كل حدب وصوب على مدى مئة عام وفقا للرواية، لان نوح بقي يبني بسفينته قرابة المئة عام، وبقيت عشرة سنوات طافية على البر جاهزة لأمر الرب دون أن يتأتى نوح بحركة ينتظر الساعة المعلومة.

شعب نوح والجرب:

كما نصت الروايات جميعها، بقيت السفينة ردحاً من الزمن راسية فوق بر اليابسة، فارغة، وقوم نوح يهزؤون منه، ويتساءلون معه كل يوم:

  • لماذا صنعت السفينة يا نوح؟!

ويسخرون منه اثناء صنعها:

  • متى أصبحت نجاراً يا نوح؟

كان يرد عليهم بحسم الجدل الطويل لأنهم كان يتهمونه بكثرة الجدال (اكثرت فينا جدالا يا نوح)، ويقول: لأمر تجهلونه، لأمر الله.

لما ضاقوا به ذرعا ومنه، ولم يحصلوا على جواب شافٍ لفضولهم اخذوا يضايقونه بأمر السفينة نفسها حتى ان جعلوها بيت خلاء لهم واستخدمها شعبه للتبرز بها احتقاراً له، فكانوا يصعدون اليها ويتبرزون بها، الى ان اصابهم الجرب، ولم يعرفوا ماذا يفعلون، فوقع احدهم صدفة اثناء تبرزه بالسفينة وسبح بالبراز الضخم الذي فيها (تصور عشرة سنوات من التبرز بالسفينة) حتى خرج، وبعد خروجه شفي من الجرب تماما، ولما سألوه كيف شفيت؟

اشار اليهم نحو السفينة، وهنا هب الجميع واخذوا يسبحون ببرازهم، فكما ملأوها بفعالهم وبرازهم واوساخهم، عادوا ونظفوها بأجسادهم كي يشفوا من الجرب، وهكذا كان، ان تم تنظيف السفينة عن بكرة ابيها، وأصبحت خلنج (تلمع لمع من النظافة)، وسنا بريقها اخذ عنان السماء، ولما اعاد عليهم السؤال بالإيمان بربه، رفضوا رغم شفائهم من الجرب. حينها دعا العبد الصالح الاله بيأسٍ لان يحكم بأمره وغضبه، فهذه الناس لن تتغير، وهنا امره ربه بركوب السفينة، وكل الحيوانات التي تجمعت صعدت فيها، .. زوجان اثنان صعد في السفينة من كل جنس ونوع كما ذكرت الروايات..، ولما اكتملت الحمولة، اغلق نوح ابواب سفينته، وانتظر امر (الله)، وفي الميثولوجيا انتظر امر (الالهة) لتؤذن له بالمسير، ومع حلول الليل الاول فارت الماء حتى غمرت الأرض، وسارت تحت السفينة حتى رفعتها واصبحت عائمة، وغمر الماء كل شيء، ولم يعد يبرز من الارض شيئا، لا واديا ولا جبل، ولا شجر ولا حيوان، ولا حتى طير ولا اي حي من الاحياء، سبع ايام بلياليها كانت كافية للقضاء على كل المخلوقات خارج سفينة نوح والأرض لج عائم في فضاء الكون عظيم.

عودة الحياة الى الارض:

ثم تعود الرواية، وتقول، بانه لما انتهى كل شيء، وبدأ الماء يغوص في الارض، ومن جديد، يعود الغراب الى الواجهة كما في قصة هاب ائيل وقاب ائيل، ولكنه هذه المرة يخون الانسان يذهب ولا يعود، لأنه وجد جيفة، وتلهى بها كما تقول الرواية، فهنا عاد نوح وأرسل الديك، ولكنه ذهب ولما وجد الحب قعد يأكل ناسيا امر ربه، خان سيده فدعي عليه، حتى أفقده قدرته على الطيران، فبات غير معروف إذا هو طير ام داجن، وارتبط شأنه لاحقا بالسحر والاعمال التي تحتاج الى نذور ظرفية لنفس السبب.. وهنا جاء امر الاختيار الثالث، وأرسل نوح الحمامة، فكانت وفية، ذهبت وعادت تحمل غصن زيتون، وكان معلوماً بان الزيتون كان موجوداً في ارض فلسطين-جنوب سورية منذ بدء الخليقة، يعني الحمامة ذهبت الى ارض القداسة وعادت تحمل غصن زيتون، (وهنا أصل الربط في الحكاية بين ارض الرافدين وارض كنعان)، ولما عادت، عرف نوح بان اليابسة بدأت بالظهور، وبان الحياة عادت من جديد، ورست سفينته فوق جبل الجودي بعد عشرت أشهر من الطوفان (وهو جبل موجود شرق-شمال سورية).

إذا، الرواية هنا تنتهي، وتببن كيف عادت الحياة، وبكلا القصتين من دينية وميثولوجيه تتفق على هذه الرواية بالرسو في شمال-شرق سورية، وتتفق على خيانة الغراب، والديك، كما تتفق على وفاء الحمامة، والتي اصبحت رمزا للسلام السرمدي منذ ذلك الزمن البعيد واليوم هي أيضا رمزا للسلام العالمي كما تتخذها الأمم المتحدة شعارا لها متشبهة (بسفينة نوح) وهنا نفهم كيف تتحكم العقلية الدينية بكل مركبات الأمم المتحدة ومفاهيمها اصلا، وبعودة الحمامة كان اعلان بدء الحياة من جديد، وبالمناسبة هي اول طائر دجنه الانسان على الاطلاق واصبح صديقه المفضل رغم انه اول غذائه الأساسي أيضا، يليه الدجاج المغضوب عليه من الانسان، والذي اصبح عنصراً موازيا يرتكز عليه في كل حاجته الأولية حتى انه استخدمه وبقوة بأعمال السحر والشعوذة من جانب اخر، لأنه اكل الحب والتهى عن امر رب، ولكنه حلل اكله بينما الغراب اهمله وحرّم اكله لأنه اكل الخبائث “الجيفة”، طبعا هذه لها علاقة متينة جداً بأنثروبولوجيا الانسان والحيوان وطبيعة اكل الانسان وما يتناسب وحاجاته المعيشية وطبيعته البيولوجية.

وهنا تبدأ رواية جديدة وتفاصيلها غامضة جدا..، تتعلق بنهاية نوح المجهولة النهاية اصلاً، رغم كل ما تكبد من عناء، ورغم كل ما فعل له ربه وأغرق الأرض من اجله ومن اجل دعوته ونجّاه من الغرق ومن معه ليتحول بالرواية الدينية الى رجل عبثي، يشرب الخمر ويمارس للرذيلة.. أي تناقض هذا؟

نوح والحياة الثانية:

قد يقول قائلاً:

– لماذا هذه الاطالة في مسألة نوح والطوفان؟

– لماذا هذا السرد المطول حول هذه الحقبة تحديدا؟

الجواب: هنا يكمن سر الاشياء كلها، وهنا ترتكز عودة الحياة الى الارض والطبيعة بعد الغرق والموات، وهنا قدّس الانسان الماء وجعله فوق الحياة كلها بل اصلها (وجعلنا من الماء كل شي حي، وخلقناه من ماء لازب، وخلقنا من ماء كل شيء، خلق الرب ادم ماء وتراب “طين”، خلق الرب الاحياء من الماء وكان عرشه فوق الماء) كلها تعابير تقدس الماء وتعطيه أهمية كبرى في عقل الانسان وحقيقة وجوده، ولهذا وجد له الأسماء التي تناسب هذه القداسة وفقا لمفهومه الاولي، وهنا اعطاه رمز السيد واصل الوجود ومزج بينه وبين رمزية الوجود “الطبيعة – التراب” والحياة وجمعها بمسمى (اددو نوء آي) اي اصل الشيء الذي نشعر به ولا نراه نلمسه ولا لون له ولا حجم وعبّر عنه بكلمة (اي)، وهذه الكلمة نستخدمها عند الاحساس بالألم كتعبير روحي وكردة فعل طبيعية في حياتنا الإنسانية، وبها اشتقاقات كثيرة منها “خي، بي، مي، ني، راي الخ..” كلها ترمز الى العلاقة الروحية اللصيقة، وهي من الم الروح نفسها المرتبطة بأصل ماء الشي ذاته، ثم رمز له باسم مركب (ادوناي) وعطاه صفة الروح المركب، وبتوحده مع الطبيعة ال (ادد) + ال (أي) واعاد الحياة، وهنا الانسان قدس الطبيعة ولما كانت الحياة تعود بمواقيت محددة وثابتة دون تخليق انما بتخلق ذاتي رمز اليها بالعشترة و”العشتر” تعني انبعاث الحياة وولادتها بالتخليق وليس نشوئها او خلقها بالخلق كما في بدء الخليقة، ليعود ويوحدها بمبدأ ال (أي) بجسد الطبيعة ذاتها التي اعطاها صفة عش تار أوت وهنا اوت تعني (العود) (أي العودة الى الحياة)، ولما كنت المرأة هي التي تحمل وتلد فسارات رمزاً للحياة والولادة وعودة الانسان الى الحياة فقدسها الانسان واعطاها صفة “الالهة – الربة” واشهر الالهة كانت “عشتار” لأنها رمز التجدد والولادة والحياة، وبهذا الاتحاد بين الماء والطبيعة كانت الحياة تعود من جديد بتزاوح بين ادوناي وعشتاراوت، فكانت الصفة التامة للام الإلهة (عشتار- اوت) (عشتروت) (عشتار) كلها اسماء لحقيقة واحدة، والتي تقدست في عقل الانسان الى ان جعلها الهة بحد ذاتها ليعود الانسان ويختلف مع ربه ويكفر به او يشرك به او يجد بديلا عنه ، وليعود الله ويرسل له الرسل والانبياء لدعوته للعودة عن غيه، وتستمر الرواية بمتوازيين يتلقيان تارة ويختلفان تارة ثم مبدا حياة جديدة..

  • المتوازي الأول: عبادة، ايمان، تمرد (انسان)،
  • المتوازي الثاني: غضب، عقاب (إله)،
  • ثم حياة جديدة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه:

  • كيف استطاع الانسان ان يختلق هذا المسمى؟

بكل بساطة، عامت سفينة نوح فوق الماء تسعة أشهر، وفي الشهر العاشر رست..، وهنا يأتي سر اصل الكلمة ب(عشرت اتوت)، (عشتراوت) وصناعة اللغة ومبدأ تركيب الكلمات واشتقاقها بالاصل والجذر(عشر + اتوت) وتشابه حقيقة الخلق، وحبل المرأة وتطابق الرواية بين تسعة اشهر سفينة نوح عائمة ثم في العاشر تعود الحياة وكذلك المرأة تسعة اشهر تحمل الجنين ثم في العاشر تبدأ حياة المولود الجديد، وهذا التزاوج بين حقيقة حبل المرأة لتسعة اشهر ثم ولادتها وبدء الحياة الظاهرية في العاشر من بدء العد او التاسع في نهاية العد وقصة عوم سفينة نوح وبدء الحياة من جديد في العاشر .. (عشر + اتوت) ربط الانسان ربطا ميثولوجيا هائلا كان فيه لعقل الانسان وقدرته على صناعة الخيال العظيم في التصوير والاسقاط وصنع الرواية ما يدهش،

نوح وفساده والتناقض:

نكتفي بهذا الجزء بهذه السردية الشاملة عن كيفية الطوفان، وعودة الحياة، واصل الكلمات واشتقاقها، وفي الجزء التالي سنبين التناقض وقصة فساد نوح ومسألة “ملعون كنعان”، وكيف تم صناعة الرواية واسبابها.  وأول مفاهيم الوهم.

ونختم مع صاحب القومية الاجتماعية التي تثبت البحث العلمي بالقول “ان التعيين شرط الوضوح”، وهذه هو السبب في إطالة السرد للتعيين والوضوح، وللربط في أصل الروايات ومصدرها.

ملاحظة: الصورة تعبيرية لا قيمة حقيقية لها. . وهي لمصدرها

وأسلموا للعلم والمعرفة

د هاشم حسين

باحث في علم الاجتماع

06/04/2023

هذا المبحث يحتاج الى مراجعة وتدقيق، شكرا جزيلا لكم سلفا.

ملاحظة: الصورة تعبيرية لا قيمة حقيقية لها.

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الثالث “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج3”

تحت عنوان: اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج3

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الثاني “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج2”

تحت عنوان: أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج2

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الاول “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج1”

تحت عنوان اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج1

شاهد أيضاً

تأكيدا لتصريحات الروس مسؤولون أمريكيون يؤكدون أن الطائرة “إيل-76” أُسقطت بصاروخ “باتريوت”

أكد مسؤولون أمريكيون لصحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الخميس، أن الطائرة “إيل-76” التي كانت تقل أسرى …

اترك تعليقاً