تحت عنوان: أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج2

مؤسف/2

استعراض:

مما لا شك فيه، ان كل حدث له اصول وله حيثيات يرتكز عليها ليتحول الى ذاكرة جماعية، فيتحول بالتالي الى ذكرى، او عيد، او مناسبة تأخذ الطابع الاحتفالي، او تصبح ذات صبغة مقدسة، وبالتالي تصبح مناسبة دينية وفق اعتقاد سماوي او ارضي، بثقافة روحية او ميثولوجيه، فالنتيجة نفسها، يوم مقدس لهذه الجماعة او تلك.

وقد يكون على ابعد تقدير، يوماً جغرافياً، اجتماعياً، سياسياً، او ثقافياً، ولكنه كله في نفس الاتجاه، فهو للجماعة التي تحتفل به هو: يوم مقدس بطريقة او بأخرى.

سرد احداث:

قبل الذهاب الى حقيقة الخرافة، والتي قد تتحول الى مقدس، علينا اولاً ان نبين بعض المحطات التاريخية بجانبها الروائي المقدس، او بجانبها النقدي ومعناه واهدافه.

تساؤلات:

ففي الكتب الدينية كلها دون استثناء نجد الامر ونقيضه، ونجد الحادثة ونقيضها، ونجد الرسالة وضدها، ونجد الوعيد والترغيب في آن، كما نجد قصص يقبلها العقل بكليتها، وقصص اخرى وفي نفس الكتاب يرفضها العقل بكليتها، وامام هذه التناقضات نتساءل:

– كيف احتوى نفس الكتاب على الشيء وضده؟

– كيف حمل هذا الكتاب الامر ونقيضه؟

– كيف بيّن هذا الكتاب المقدس او ذاك هذه القدسية ثم عاد هو نفسه حوّلها الى رزية؟

– هل يُعقل بأن يحتمِل الخير نفسه بذاته الشر؟

– هل الشر يصنع الخيرَ بذاته؟

طبعا هذه اسئلة بحثية من ناحية وفلسفية من ناحية لأنها تناقش الموروث الثقافي-الاعتقادي اليقيني والظني للجماعة (اي جماعة كانت)، فكل الجماعات لديها نفس قواعد الشيء ونقضيه دون استثناء، ولا يمكن ان نجد فئة او جماعة دينية واحدة قد تكون استثناء، واذا ما ادّعى احد ما هذا النقاء، هو يجانب الحقيقية ويماري، لا بل يتعصب لجماعته ويقدمها كبديل على اعتبار مقدساتها هي الخير مقابل الشر المتمثل بمقدسات الاخرين بطريقة او بأخرى، يعني باختصار، من يدّعي انه هو الفئة الصحيحة يكذب على نفسه قبل سواه، بل يدّعي الصفوة بتعصبٍ اعمى لا اكثر، ويناقض الخالق نفسه الذي لم يصطفي جماعة على الاطلاق، انما هو عيّن وفي جميع الكتب الدينية والميثولوجية بأن : ايكم احسن عملاً، او ايكم فيه خيرا لأهله، او ايكم لوطنه مدداً، وخارج هذا السياق يعتبر كل ادعاء هو مغالاة لا يمكن الركون اليه، ولا يمكن الوثوق به، ولو تشكلت بجماعة ما نسبة الخير اعلى من نسبة الشر، فيبقى سلوك الافراد هو المقياس لديها .. على قاعدة: احسنكم عملا، اخيركم، افضلكم، انجحكم، اصفاكم، أصدقكم، الخ، الخ… وهذه الامور اثبتها الوقائع والاحداث التاريخية بمانئ عن صدقها او كذبها، او عن ثبوتها بإشكالياتها وحقيقتها من وهميتها وتهيؤات كاتبها..، فهي اعطت الصورة ونقيضها في نفس الكتاب المقدس، وعند نفس الجماعة، والتي قد تشترك فيه جماعة او اكثر.

مقاربة بين العلم والدين ومفهوم الخلق:

حين نقوم بمقاربة اولية بين وقائع في الموروث الديني والميثولوجي، نصل الى استنتاجات موحدة لو اختلفت بالشكل ولكنها تتفق في المفهوم والاصل، وهذه الاستنتاجات تعطيكم صورة حقيقية عن واقع الحال في مبدأ وجود الحدث نفسه، واصله، وحقيقته الذي ينافي العقل او يتفق معه من ناحية، ويصنع الخرافة والوهم او المعتقد والايمان به من ناحية، ومع هذا يتحول الحدث الى موروث مقدس، اكان دينيا ام اجتماعيا، ثقافيا ام تاريخيا.

مثلا في مبدأ الخلق نفسه:

تقول الاحداث الواردة في كل الكتب السماوية والميثولوجية بان البدء بدأ بمنطق التخليق من العدم لشيء لا اصل له وبأنه لم يكن موجوداً اصلاً وأُعطي مفهوم: الخلق

وبهذه، إذا، وبدون مراوغة، جميعها بإنسانيتها وماورائيتها تعتقد جميع المفاهيم البشرية بمبدأ الخلق بصورة او بأخرى.

فالنظريات الدينية بكليتها تقول بمبدأ الله الذي خلق وانشأ الاشياء بقوته، وبقدرته على الخلق، واعطى الانسان مكانة علية، واعتبره وريثه في الارض ليعبّر عنه، ولمّا عجز الانسان في مفهوم الوراثة الالهية جاء الاله وتدخل هو بنفسه مراراً حتى التجسد، والحديث، والنفخ لخلق صورة على حقيقته هو ذاته، كما حصل في قصة مريم العذراء، والتي شابهتها قصص مختلفة ميثولوجية لنفس المفهوم في التجلي، والتزاوج بطريقة ما بين الاله ومخلوقه، وهنا تحقق مبدأ القوة في ايجاد الأشياء، والقدرة على الخلق والتخلق فيها.

والقصص الميثولوجية تروي وبقوة قصص الخلق، والتحولات التاريخية، وامكانية التزاوج بين قوة الروح وقوة المادة، وبين الالهة والبشر واتحادهما بقوة واحدة، واتفقت هنا مع النظريات الدينية فساعة ينتصر الانسان ويتقدم، وساعة ينتصر الاله ويتقدم، واحيانا اعطت الانسان نفسه صفة الالوهية والربوبية، وتحدثت عن كيفية صناعة الخلق الاول وقصص الوجود الإنساني، وجميعها اتفقت بان هذا الوجود جاء بقوة الخلق والتخليق في آن، وكتبت قصصها بذلك حتى عنونتها حرفيا (قصة الخلق)، واعطت الانسان والقوة العلية مبدأ الشراكة في الخلق والتخليق ايضا.

والعلم المتوسط بمفهومه الاولي ذهب على اساس مفهوم التطور الى القول بقوة الطبيعة، ومبدأ الصدفة، والخلق الذاتي والتحول والتطور مع الزمن، وساعة تقدم الانسان كقوة مسيطرة، وساعة تقدمت الطبيعة كقوة مسيطرة، وهنا نشأت قصص التأليه للظواهر الطبيعية، وهنا تحقق مبدأ القوة في الطبيعة على ايجاد الاشياء وتطورها، وبهذا يكون ايضا مبدا الخلق والتخليق تحقق بذاته.

حتى العلم الحديث بمفهومه المتطور وتقنياته الرفيعة ذهب الى القول بمسألة الخلق، واعطاها صفة علمية فقط بمعنى: الانفجار الكوني، او الصدفة الوجودية، وانبثاق الاشياء من ذرات مركبة ذكية وغبية انتجت العاقل والجماد، واعطت للكون حقيقته وقوته الذاتية في الخلق، والابداع، والتطور بطريقة ما، لتتفق مع سابقاتها، ولو انها قدمت العقل الانساني على سواه، الا انها دخلت مرحلة التحدي في التخليق، وبهذا تعود الى المربع الاول لتقول بقوة خفية تسير الكون والوجود دون مواربة هنا اتفقت مع سابقتها على مبدأ التسليم في مسألة الخلق والتخليق.

وبهاتين الحالتين العلميتين ومبدأ الخلق بقوة ارادة عليا اعطاها الانسان صفة او اسم الخالق (الله)، او مبدأ المفهوم الميثولوجي اصبح الوجود قائما بمنطق القوة للحدث عينه، اكان بالانفجار، او الصدفة، او الخلق العدمي، فكلها اتفقت على الخلق والتخليق، والتطور البيولوجي الاحادي بطريقة ما مع سقوط نظرية التطور من اصل نشوء الى اصلا اخر لفقدان مبدأ التخليق بحد ذاته، وبكلا الحالتين الاعتقادية بشقيها، والعلمية بشقيها، يعني ان شيئا حدث من امر لم يكن موجوداً اصلا، وتم خلقه او تخليقه، فهما اتفقا إن كان العلم بأوليته او تطوره مع الرواية الدينية والمعتقدات الميثولوجية على مبدأ : الخلق، او الوجود بمنطق القوة بالخلق، او الانبثاق. و(الانبثاق هنا يتمثل فيه مبدأ (التخليق))، والتخليق عمليا هو صناعة الشيء من مكونات ومركبات مختلفة لإخراج شكل جديد يتطور بذاته، ولكن يبقى في نفس السياق، ولا يتحول الى شكل اخر ينافيه بمنطق الوجودية التامة كما قالت الداروينية والتي قالت بتقلب الاشياء من اصل الى اصل اخر للنشوء على مبدأ اصل الأشياء وليس نشأتها، وهذا ساقط علمياً حتى مع العلم الحديث، فليس الانسان من اصل قردي، وليس من اصل نباتي، بل هو مركب له خصوصيته بالنشأة والتطور في نفس السياق، والمركب الكروموزوني الذي اثبت حقيقة عدم التطور من حيوان اخر، ولو اتفق على وجود تشابه ببعض الشكل هنا او هناك، وهذا جزم فيه العلم الحقيقي، ولو ما زال يستغل سابقه العلم السياسي والتشغيلي ومفاهيم السيطرة والتحكم.

الواقع بين قصص الخرافة والمقدس:

ومن هذا المفهوم جاءت قصص الخرافة لتصبح واقعاً، وتتحول مع الزمن الى مقدسة لأنها دخلت الى صميم العقل على اساس انها معتقد ولا يجوز المس بها، واي نفي لها أُعطي صفة التكفير، ووجب العقاب، وهذا التكفير مارسته كل المعتقدات البشرية دون استثناء حتى وصلت الى عقوبة الاعدام بتهمة التجذيف، والتحقير، والتكفير.

واتفقت بهذه كل المعتقدات الميثولوجية، والدينية، والعلمية على حد سواء.

اليوم ايضا تمارس اصحاب النظريات العلمية نوع من انواع التكفير بحق الذين يؤمنون بالمفاهيم الدينية، ويقومون بمنعهم من ممارسة معتقداتهم بالضغط غير المباشر، او بعض سلوكياتها المعبرة عنها كمسألة الحجاب مثلا في طول أوروبا وعرضها، حيث شكلت هذه المسألة في العقدين الاخرين ازمة اجتماعية حقيقة ما لم تتوقف ستأخذ اوروبا الى صدام حقيقي بين اصحاب المفهوم الديني والعَلمانيين التابعين لهم من جهة، واصحاب المفهوم العلمي والعِلمانيين التابعين لهم.

نكتفي بهذا الجزء بهذا القدر كي لا نذهب بعيداً في هذا المبحث الذي يحتاج الى دراسة موسعة وموثقة لكي يفهم المتابع أكثر حقيقة ما نذهب اليه، والمقصد من هذه المقاربة.

سنقدم في الجزء الثالث: احداث تاريخية بين الموروث ورواية المقدس، وكيفية تحوّل الخرافة الى مقدس وحقيقة الاعياد بين الخرافة والتزوير في هذه الاجزاء التي نقدمها لمحاكاة العقل بمقاربة المنطق لنقد الموروث ونقضه على اساس المعرفة، وليس على اساس التجهيل ونصوص التجهيل ومبدأ التكفير الكيفي.

نختم هذا الجزء بمنهج صاحب القومية الاجتماعية* الذين عيّن:

“المجتمع معرفة والمعرفة قوة”

دمتم للعلم والمعرفة لتكونوا حصن المجتمع بمواجهة الخرافة والتجهيل.

الدكتور هاشم حسين باحث في علم الاجتماع

د هاشم حسين

باحث في علم الاجتماع

كوتونو-بنين

03\04\2023

هذه المقالة تحتاج الى مراجعة وتدقيق ولكم جزيل الشكر سلفا

*صاحب القومية الاجتماعية: هو المفكر السوري القومي الاجتماعي الفيلسوف أنطون سعادة الباحث في علم الاجتماع ومؤسسة المدرسة السورية القومية الاجتماعية في علم الاجتماع وصاحب نظرية وحدة المادة والروح بمنهج عين لأول مرة في تاريخ الفلسفة الوجودية والماورائية على حد سواء وواضع منهج وفلسفة الوجود المجتمعي على مبدأ ال “نحن” للنظرية المجتمعية التي تقول بالإنسان-المجتمع لا الانسان-الفرد والتي ربطت ربطاً تاماً بين البشر والأرض والبيئة والجماعة والتاريخ كشرط وجودي تام “لا بشر حيث لا أرض ولا جماعة حيث لا بيئة ولا تاريخ حيث لا جماعة”1 والتي قالت بالتطور الاجتماعي لنشأة النوع لا البيولوجي والتي قالت وان لم يتفق عليه جمهور العلماء ان حدث ببطء او حدث دفعة واحدة “والإنسان نفسه قد تطوّر بعد نشوئه، فبين الإنسان العصريّ والإنسان الهيدلبرغيّ أو النيندرتاليّ شوط من التّطوّر لا يستهان به.

أمّا أنّ الإنسان نشأ بالتّطوّر فما لا جدال فيه وأمّا كيفيّة حدوث التّطوّر، أكان بتجمّع تغيّرات بطيئة تحت تأثير البيئة المتطوّرة أم بالتّغير الفجائيّ استعداداً للدّخول في بيئة جديدة، فممّا لم يتّفق عليه العلماء لحاجتهم إلى استكمال اختباراتهم. وقد كانت النّظريّة الأولى القائلة بالتّغير البطيء وفاقا للانتخاب هي السّائدة. ولكنّ نفراً من العلماء الحديثين يعتقدون بسبق التّطوّر لموافقة البيئة وبحدوثه دفعةً واحدة” 2. 1و2 نفس المصدر(سعادة – نشوء الأمم)

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الاول “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج1”

تحت عنوان اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج1

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الثالث “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج3”

تحت عنوان: اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج3

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الرابع “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج4

تحت عنوان اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج1

شاهد أيضاً

تأكيدا لتصريحات الروس مسؤولون أمريكيون يؤكدون أن الطائرة “إيل-76” أُسقطت بصاروخ “باتريوت”

أكد مسؤولون أمريكيون لصحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الخميس، أن الطائرة “إيل-76” التي كانت تقل أسرى …

اترك تعليقاً