تحت عنوان اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج1

مؤسف/1

يعتمد البعض على قِصص الخَرافة التي تناولتها بعض الكتب التي تُسمى مقدسة، والمكتوبة بأيدي البشر لتخدم مصالحهم، واهوائهم الدينية، ولتمرير اعياد الخرافة بقصصٍ تُزوِر التاريخ، وتُهين تاريخ الانسانية لتثبت نظرية التفوق لجماعة معينة عرفت عبر التاريخ انها جماعة متحجرة، عقت تاريخ الانسان، وامنت بالإجرام مسلكاً اجتماعياً لها عبر تاريخها، مارسته في الاعتداء على الشعوب وثقافتها، وسرقت تاريخها وحضارتها كما سرقت ارضها أيضا.

تاريخ كله إساءاتٍ، ارادت تبيض صفحتها مقابل جماعة أخرى، ولو ادّى الى اهانة الله نفسه بما كتبت أيديهم، وسولت لهم أنفسهم.

وهذه الكتابات ثبتت حقيقتها بانها كُتبت بسبعمئة عامٍ بعد الميلاد، لتروي تاريخاً يعود الى الاف السنين من خيال كاتبها، ثم يأتي بعض البَحاثةُ ويعتمدون عليها كتاريخ لينفوا هذا، او يكذّبوا تلك، وينسون السياق التاريخي للأحداث وما شابها من تزوي، فيبدؤون بكتابة تاريخٍ أخطر ظنا منهم انهم يحاربون التزوير والخرافة، فيتخيلون تاريخاً موازياً كما يفعل بعض الباحثين اليوم من بناة أفكارهم الهمجية، ويطبقون المثل (اجا تيكحلها عماها) ….

ويأخذون من تلك الكُتب المُزورِة للتاريخ وما يتناسب ونزوعهم الشخصي، او ايمانهم، او الحادهم ورغباتهم، فيحولون ذلك التاريخ قزماً وتلك الاحداث عملاقة، ثم يبنون عليها مواقفهم، وتقصوصاتهم التخريفية الجديدة كتباً مطبوعةً تتحول لاحقا الى مراجع ويأخذ بها البعض دون تدقيق..

وهنا يتحول التزوير الى انحراف جديد، وصناعة الكراهية، وليس فقط نفي القصة من حقيقتها، او نقضها من أصلها، او نقدها بمنطق علمي سليم… بل بعواطف الكاتب لا أكثر.

فما هي رسالة المقدسي مثلا من تبني مسألة التَلمدة في تحريف تاريخ إبراهيم، وتحويله الى عاهر في تاريخ الانسانية مقابل رسالات سماوية اخرى تعتبره أصل تاريخ رسالتها واول من بشّر بها؟

ما هو السر خلف صناعة هذا التاريخ لضرب تاريخ شخصية ترتكز عليها كل الرسالات السماوية بتحويلها الى شخصية جدلية لا اخلاقية ساعة انها بعقل المؤمنين بها لديها من القداسة والسمو ما يدفع الى حرب دينية؟!

ما الغاية من جعل تاريخ سورية نفسه غارقاً بين خرافة اليهودية وصراع الأديان، ثم نأتي كباحثين لنعطيهم بالقلم ما عجزوا عنه بالحروب على مدار قرون وقرون؟

مثلا:

قالت كُتب اليهودية وتبنتها المسيحية بان لوط قد قامت ابنتاه بسقايته الخمر حتى فقد وعيه، وكررتا ذلك مراراً، وقامتا باغتصاب والديهما مراراً، ولمدة شهر حتى حبلتا من ابيهما بولدين:

  • واحدة (الكبرى) أسمت ابنها اسم (مؤاب)
  • والثانية (الصغرى) أسمت ولدها (بن عمي)

ثم أصبح هذان الولدان هُما الاصل للمؤابيين والعمونيين (القبيلتان السوريّتان اللتان سكنتا شرق فلسطين والاردن) والذين اسمتهم التوراة اولاد الزنا … مقابل ابناء اسحاق النقي (من تنسب اليهود نفسها اليه) ابن سارة وهو ابن عمهم ابن ابراهيم…

لنتوقف هنا قليلا وتساءل:

ماذا يعني ان يتبنى كاتب او باحث هذه الخرافة؟

اي انه تبنى بالمطلق، نظرية خطيرة ترمي الى ان شعبنا السوري شعب ابن زنا بثقافة اولاد العمومة لآل اسحاق ابن ابراهيم.. الذي يتهمه ايضا نفس المصدر في الكتب المقدسة بانه باع زوجته مرارا للملوك لينال حظوتهم، ثم يأتي باحث ويتبنى هذه الرواية … ونسي بان الرواية بحد ذاتها هي نسج خيال لا أكثر لعقول مريضة …

مثلا المقاربة بين سارة زوجة ابراهيم وخادمتها هاجر..، اذا قرأتموها في الكتاب المقدس سوف “تشفقون” على الله نفسه مما حلّ بعبده الذي سار معه حتى تجسد اليه بشراً يحدثه، وهو نفسه تحدث مع سارة، ورغم ذلك يبيع زوجته للملوك للمتاجرة بها او خوفاً منهم اوجبناً منه… وزوجته لم تهتم لأمره كنبي، وكانت توافق على افعاله، وترضى بان تعير جسدها للملوك…، فكيف هذا؟!

مقاربات خطيرة..، جعلت كل هؤلاء الرسل..، تارة رسل وانبياء في نفس الكتاب، وتارة عبارة عن حُثالة من البشر امتهنوا كل شيء حتى الدعارة لتمرير مشاريعهم..

هل يُعقل ان نأخذ بروايةٍ خطيرة من هذا النوع تهين المقدس نفسه وتشيع النجاسة والرجاسة في آنٍ واحد وفي نفس شخص المقدس عينه؟!

الم يخطر ببالك للحظة أيها القارئ بان كاتب هذه التخاريف اراد ان يُشرع الشيء ونقيضه ليبرر سقوطه الاخلاقي؟

ولكن المؤسف أكثر، ان يتبنى هذه التخاريف من هم يجب ان يحاربوا هذه العقلية الخطيرة التي اساءت لتاريخ بلادنا بتحويل شعوبنا الى اولاد زنا محارم، عداك عن جعلهم أولاد جارية بعقلية أولاد الست..، وهذه قصة من قصص كثيرة تناولتها الكتب (المقدسة) التي تفتقر لأدنى قداسة، فهي تهين الله قبل سواه…

فهل قرأتم مثلا حوار لوط وابراهيم وربهما؟

وكيف كان مصير قوم لوط رغم كل شيء، ومشقة الملائكة، وحضور الله شخصياً على الأرض، وبقائه الى جانب إبراهيم يحدثه العفو عن سدوم، ولكن الله يرفض وساطة إبراهيم، ثم الله يدمر سدوم عن بكرة ابيها لصيانة الخير الإنساني، وشرف الانسانة من الرذيلة، ثم لتعود ابنتاه لتغتصبا والدهما النبي نفسه؟!

اين المنطق بهذه الخرافة والعار؟

فهل يقول الله مثلا بعقابٍ جماعي لبلدٍ بأكمله (سدوم) ثم تأتي الفتاتان لترتكبا فاحشة افظع واخطر الا وهي اغتصاب الاب نفسه الذي نجّاه ربه من قومه؟!..

اي تواطؤ هذا في تزوير التاريخ برمته.. ؟!

والأنكي، ان نسل هذان الولدان من زنا المحارم أصبح أصل شعب بأكمله مرتبط بحقيقة الشعب السوري نفسه … ، او قبيلة، او جماعة بأكملها كأحد نسيج الشعب السوري (المؤابيون والعمونيون)

هي جريمة في قبول تزوير التاريخ، ونقده بتبني رواية هذه الكتب لنفي حقيقة تاريخية.. بان شعبنا هو مالك هذه الارض وليس ابن زنا او اتى من البحر..

اما بما يتعلق بخرافة الاكيتو بريخو فلها موضع اخر سنتحدث عنه بالتفصيل. وخصوصا للذين يتبنون هذه الخرافات ظنا منهم انهم يحيون تاريخ بلادهم ونسيوا بان صناعة هذه الخرافات ليست الا مسألة علمية قام بها اهل التيه لتقزيم التاريخ على قياس قصصهم، واكاذيبهم، وخرافاتهم الدينية، وجعلوها مقياسا للتقويم العبري بفارق زمني عمره ألف عام …

على العقل الحذر من كل ما يتناوله، وعليه التمحيص في اصل الرواية كي لا يتبنى ما ينفي عقيدته وقيمه الإنسانية التي ترتكز قبل كل شيء على الحقيقة التي هي “نحن”، وعلى الاخلاق التي هي اخلاقنا نحن.

د. هاشم حسين

باحث في علم الاجتماع

الدكتور هاشم حسين

02\04\2023

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الثاني “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج2”

تحت عنوان: أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج2

اضغط على هذا الرابط للاطلاع على الجزء الاول “أعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج3”

تحت عنوان: اعياد الخرافة بين الحقيقة والتزوير ج3

شاهد أيضاً

تأكيدا لتصريحات الروس مسؤولون أمريكيون يؤكدون أن الطائرة “إيل-76” أُسقطت بصاروخ “باتريوت”

أكد مسؤولون أمريكيون لصحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الخميس، أن الطائرة “إيل-76” التي كانت تقل أسرى …

اترك تعليقاً