*في آداب التشجيع: السلوك والاختصاص والاهانة

مقدمة:

طبعا، لكل مسلكٍ رياضي اهله ومحبيه ومريديه ومشجعيه، وبين هذه الاقطاب الثلاثة تتوزع المسالك الرياضية ويستمر هذا المسلك او ذاك وينمو ويكبر ويصبح جزء من حياة الناس في التعامل معه كجزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية ولو لم يحصلوا منه على اي فائدة مباشرة او غير مباشرة لهم الا الافادة الترفيهية التي تعطيهم بعض فرح لفوز هذا الفريق او ذاك، او لفوز هذا البطل او ذاك، او لفوز هذا اللاعب في مواجهة ذاك حسب اللعبة ووفقا للمسلك الذي يشجعه الفرد في هذا الاختصاص من الرياضة او ذاك.

في صلب الموضوع

اذا، انقسام بين الفوز والربح هي مسالك البشر تكمن في حياتها وليس في كرة القدم فحسب، وفي كل التحديات والمواجهات حتى في اعمالهم اليومية والحياتية، ومهما اتفقوا او اختلفوا على الغاية والوسيلة والهدف، يبقى الجامع الوحيد بين الجميع هو : الربح والخسارة …

حتى التعادل نفسه يكمن بين هاتين المفردتين: ربح وخسارة…!!

فغالبا ما يكون التعادل بطعم احداهما (تعادل بطعم الخسارة) او (تعادل بطعم الفوز) واحيانً تكون الخسارة غير قاسية حين يكون الملف متين وأحيانا يكون الربح غير مفيد حين يكون الملف ضعيف..

وبين هذه الاساسيات تركن قواعد اللعبة العالمية التي تأخذ طابع الاشتراك الانساني العام، حيثما يتوزع المشجعون على مساحة الكرة الارضية، فقد تجد ان بعض ابناء البلد عينه يشجعون بلداً اخر غير بلدهم لأسباب تعود لحبهم لهذه المدرسة او تلك في الرياضة، وخصوصا في رياضة كرة القدم ، فقد تجدي برازيلي يشجع المانيا وقد تجد الماني يشجع ايطاليا وقد تجد فرنسي يشجع البرازيل وهكذا دواليك، اما البلاد التي لا حول ولا قوة لها بالرياضة فأهلها بالعموم ممن يشجعون الرياضة سيكونون حكما منقسمين بين الفرق المختلفة على ثلاث اسس:

– الاساس الاول: او بالعاطفة دون خيرة

الاساس الثاني: او بالوراثة (ولا تفاجأوا بهذه)

الاساس الثالث: او بشغف المدارس الرياضية وهؤلاء غالبا قلة

الاساس الاول هو الطاغي على مشجعي كرة القدم لان كثيراً من الناس لا تهتم طيلة حياتها من الاساس لهذا او ذاك، وعند الحدث الكبير تنقسم مع او ضد بناء على التحليلات والمسموعية لقنوات التحليل، او للمعلقين، ويذهبون بشكل عاطفي على تاريخ هذا الفريق او ذاك من خلال حديث المعلق، او المسموعية في النوادي والقهاوي ومراكز الترفيه حيث يشاهدون المباريات، فيأخذهم شغف المعلق الذي يعتمد اسلوبا رفيعا في كل مباراة، فيأخذ به المستمع عاطفيا، وينحاز لفريق ضد اخر ولو كان لا يهمه اساسا من سيربح.. وهذا المعلق عينه هو يقوم بعمله لقاء اجرٍ يتقاضاه، ودوره هو صناعة الوهم العقلي لدى عقل المتابع والمشاهد ليأخذه حيث يريد، ومن هنا تجد الانقسام العاطفي هو الغالب الاول على الغالبية الساحقة لمشجعي كرة القدم تحديداً. والدليل، انه، وبعد انتهاء المونديال مثلا، هناك اناس لا تتابع اي مباراة لاي فريق … وكذلك لعاشقي الدوريات، فتراهم بعد انتهاء الدوري الذي يشجعونه لا يهمهم احداث اخرى..

الاساس الثاني، بالوراثة، قد يتفاجأ البعض بهذا القول ويسأل: هل فعلا هناك مشجعون بالوراثة؟

نقول لهم اسألوا انفسكم قبل سواكم، فمنكم من شب ووجد ابيه او امه يشجعان هذا الفريق او ذاك، فاخذ منهما محبة الفريق عينه وبدأ يدافع عنه وأصبح فريقه المفضل من غير ان يختار هو فريقه اساساً.. ومع مرور الزمن يصبح هذا الفريق بالنسبة له هو الافضل، ولو لم يكن يعلم اي شيء عن تاريخ هذه اللعبة او تلك.. ثم يأتي بعده طفله هو ليستلم الراية منه، انظر حولك الان، فتجد ابنك يشجع فريقك انت لا خياره هو، وهو بعد لم يبلغ الخمس سنوات، ولا يعرف اصلا من هي البرازيل واين تقع المانيا، وما هي المسافة بين اليابان وكندا… فتراه يحمل علم هذا الفريق ويحتفل به ليس لأنه هو أحب الفريق، انما البيئة التي نشأ بها هي التي جعلته يحتفل عنوة، وهذه العنوة، مع مرور الوقت ستصبح شغفا له لأنه نشأ عليها منذ صغره. وهنا نؤكد بان البيئة هي الاساس في صناعة حياة الانسان ومكتسباته الفكرية والعقلية وحتى الترفيهية والسلوكية

وبالتعيين، قلة يذهبون عكس هذا المذهب فعندما يكبرون قليلا ينجذبون الى فريق اخر ويتخلون عن فريق والديهم ويذهبون الى فريق اخر اما على اساس العاطفة وهم الاغلبية واما على اساس الاختصاص وفهم المدارس وهم قلة..، وايضا هنا يخضعون للبيئة جديدة تؤثر على خياراتهم المستقبلية ايضا.

اما الاساس الثالث والمتعلق بشغف المدارس، فهؤلاء يشجعون فرقا رياضية بناء على هذه المدرسة في علم كرة القدم و اصول اللعبة فيها، فمنهم من يتعلق بلاعب على اساس الخبرات الفردية والفنيات الرياضية والتفوق الفردي لهذا اللاعب او ذاك مثلا (كريستيانو رونالدو ، ميسي، ريفالدو، مارادونا بلاتيني، باكنباور،فان باستن، ليفاندوفسكي، توتي، بوفون، روبيرتو باجيو، زين الدين زيدان، نوير، كلاوزة، كاسياس، اوليفركان واخرين كثر) يتم التعلق بهذا اللاعب او الحارس والشغف به حسب مهاراته وقدارته وترى المشجع ينتقل معه من فريق الى فريق في الدوريات عند الانتقال.. ولا يهمه اساسا النادي او الفريق الذي يلعب معه اللاعب بقدر ما يهمه اللاعب عينه ولهذا ايضاً تراه يشجع حتى منتخب بلاده ويلتحق به عاطفيا اذا كان محترف احد فرق الدوريات.. فيصبح مشجعً لفريق منتخب بلاده مثل محبي ميسي اليوم مثلا يشجعون الارجنتين وكريستيانو رونالدو… يشجعون البرتغال.. الخ الخ.

والقسم الاخر هم الذين يفضلون مدرسة الفريق الواحد الذي يعتمد ثقافة اللعب الجماعي ولا يهمه تفوق الفرد بل يهمه تفوق الفريق ككل

ففي الاول نجد الدوريات الاسبانية والبرتغالية والبرازيلية والارجنتينية فمعظمها تعتمد المهارات الفردية والاسماء..

وفي الثانية نجد المدرسة الالمانية والهولندية والاوروغوينية فهي تعتمد اللعب الجماعي

وهذا على سبيل الذكر لا التخصيص فقط.

إذا، بين هذه الاسس الثلاث ينقسم المشجعون ويتبادلون الخطاب الذي يصل فيما بينهم الى درجة الاساءة والشتم والتخوين والتهويل والسماجة وحتى القرف، فتجد بعض المشجعين يتخطون كل حدود الاخلاقيات ويستعملون كلاما بذيئا وسخيفا يصل الى درجة الاهانة الشخصية فيما بينهم، بينما في المقلب الاخر المنتخب او الفريق او اللاعب الذي يختلفون عليه لا يشعر او حتى لا يعرف انهم موجودين في هذه الحياة اصلا، ولا يهمه خلافهم ولا مشاكلهم، فهو يؤدي وضيفة دفع الكثير للحصول عليها، ويعمل لقاء اجر مدفوع ليعتاش منه.. بينما هؤلاء المشجعون المختلفون المتنازعون الذين لا يحصلون على قرش واحد منه.. يهينون بعضهم ويسيئون لبعضهم لدرجة القرف والاهانة.

في التوصيف:

إذا، نحن امام مسألة معقدة، في آداب التشجيع بين السلوك والاختصاص والاهانة، فلا المشجع يستفيد من الرابح ولا يخسر مع الخاسر شيئاً ومع هذا يأتي سلوكه مشيناً يدفعه الى درجة الاهانة والتسويف واستعمال مفردات نابية للدفاع عن فريقه بمواجهة الاخرين، وكذلك الذي ربح فريقه يقوم بعمليات (التزريك) مع الظن انه يقوم بعمل فكاهي ولكنه يرتقي الى درجة الاهانة والسلوك المشين في اسلوبه التشجيعي.. ايضا بمواجهة الاخرين.

وعينه المشجع للفريق الخاسر، يبدأ في عملية استيعاب الخسارة والتخفيف عن نفسه بإيجاد المبررات ثم الرعيد الوعيد ثم يبدأ هجومه المعاكس مستعملا الكلام النابي والبذيء من خلال النفاذ عبر الثغرات التي وقع بها الفريق الفائز من ناحية او فريقه الخاسر من ناحية..

ولكن، كل هذا، لا يفيد، فالمسألة عموما خاضعة بكليتها لعقلية منشئي هذه اللعبة وهدفها الاصلي لإشغال الناس بها، وللأهداف الاقتصادية والانتاجية للشركات المصنعة ذات الاختصاص في هذه اللعبة او تلك، فهؤلاء يوظفون اشخاص يمتلكون مهارات عالية لكي يسحبون المشجعين الى حيث يريدون لتحقيق ارباحٍ اضافية على حساب هذه البشر التي تتنازع على شيء لا تستفيد منه قيد انملة.

ومن هؤلاء الموظفين، المعلقون على القنوات الرياضية او العاملين في هذا القطاع من مراسلين ومختصين يخضعون لدورات اختصاص قوية ليمتلكوا تلك الخبرات وايضا يتلقون رواتب عالية ليحققوا اهداف المالكين وشركات الانتاج والمراهنات واصحاب السياسة الذين ينفذون الى مشاريعهم من خلال هذه اللعبة او تلك، فمثلا اقصاء روسيا حاليا او منع المانيا في الخمسينيات من القرن الماضي وكذلك استبعاد العراق بعيد حرب الخليج وسورية بعد ما عرف ب (الربيع العربي) ايضا يخضع للقوانين السياسية والمسارات الحربية وليس الرياضية…

نختم

ان آداب التشجيع في كرة القدم يجب ان تتقدم على العواطف ويجب ان تخضع للسلوكيات الاخلاقية لان الناس تعيش مع بعضها وهذه الفرق تأتي مرة كل أربع سنوات وترحل محملة بالملايين اكانت خاسرة ام كانت رابحة في جولاتها …بينما أنتم ايها الناس، ربحكم هو صفر مكعب مضاف اليه بالفائدة اسلوبكم في التشجيع

فإما تكونوا مشجعين تمتلكون من الرقي والاحترام الرصيد الذي يخلق لكم الاحترام الكبير بين مشجعي الطرف الاخر

واما تكونوا من اصحاب السلوكيات المشينة والالفاظ النابية الذين يهينون كل الناس ظناً منهم انهم امتلكوا هم الكأس والميداليات بينما هم حقيقة لم ينالوا الا السقوط الاخلاقي، وأصبحوا من اصحاب الاختصاص في الاهانة والاساءة، وهؤلاء ما اكثرهم، وما اقبحهم، وحقيقة هم بأغلبيتهم منهم لا يفقهون حتى بمدارس الرياضة شيئاً الا العواطف التي اكتسبوها مع مرور الزمن اما لحادثة طارئة واما بالوراثة…واما لعاطفة قهووية عابرة.

ليكن في ذاتك اخلاق عالية، تدرك كيف تكون مشجعاً راقياً، تحبك الناس وتحبها، وتنصف هذا وذاك بمانىء عن عواطفك وحبك ورغبتك بالفريق الذي تحبه ان يفوز…

بالأمس هُزم الالمان ودفعوا ثمناً غاليا لمواقفهم وشعاراتهم التي سبقت مونديال قطر 2022 ولكن ذلك لا يلغي ولا ينفي حقيقة دولية معترف بها بأنهم اصحاب مدرسة تُعتبر الاولى في العالم لناحية عقلية الفريق التام الذي يعتمد اللعب الجماعي والدقيقة الاخيرة ولا منازع بذلك ومدرستهم بالمهارات الفردية تأتي في المرتبة الثانية من بعد المدرسة البرازيلية والارجنتينية اللتان تعتمدان المهارات الفردية …

وهذه حقائق لا يمكن لاي أحد ان ينفيها او يلغيها.. وبين هاتين المدرستين تتوزع كل الفرق في التعلم والتعليم بما فيها الاسبانية والايطالية والفرنسية… وتأتي في المرتبة الثالثة المدرسة الاسكندنافية.. وأبرز وجوهها الدنمارك وهولندا

كن مشجعا راقيا وخلوقا

ولا تكن سمجا مهينا سيئ الخلق وتظن نفسك أنك قد بلغت المراتب..

واعرف متى تنصف فريقك وفرق الاخرين ومتى تحكم على اللعب النظيف او الخيانة والبيع والشراء والعاب الخديعة… فهذه تحتاج الى دراية ومعرفة واختصاص.

كرة القدم ، عالم سياسي بامتياز ، تحكمه الغرف السرية وليس عواطفك وعواطفي يا هذا … ايها المشجع الفلنكعي العريض المنكبين الشلولخ ، مشجع الفجأة..

واعلم، انه بين السلوك والاختصاص والاهانة، تكمن شخصيتك ، وتعيش عالمك، وتكسب احترامك او قلة الاحترام.

وكل أربع سنوات وأنتم على موعد

ولمن خرج، تعلموا الدرس للقادم من الايام وخصوصا الالمان… فهم اساؤوا لأنفسهم خدمة لغيرهم قبل سواهم مع انهم سجلوا سابقة كأول فريق يربح في تحكيم النسوان على ضفة خديعة الاسبان واليابان✋️😁

ولمن تأهل، هنيئا لكم تأهلكم وما زال المشوار مستمرا لبلوغ الفريقان النهائي. والكلمة الفصل.

ولكل مشجع ومن اي اساس اتى ومع اي فريق كان، ومن منطلق علم النفس وعلم الاجتماع نقول: إن حدود الاحترام هي ابعد مسافة في حياة الانسان فمن بلغها عدلت في ذاته كفة القيم في الميزان وامتلك السلوك المؤهل لبلوغ مراتب التقدير والاحترام ومن اساء لهذه المسافة سقط في مقعرة الجيزان.

فصن هذه المسافة ففيها بلوغك مراتب تقديرك انت لنفسك قبل سواك والاحترام

لكم أجمل التحايا

*هاشم حسين

باحث في علم الاجتماع

الدكتور هاشم حسين باحث في علم الاجتماع

2\12\2022

شاهد أيضاً

تأكيدا لتصريحات الروس مسؤولون أمريكيون يؤكدون أن الطائرة “إيل-76” أُسقطت بصاروخ “باتريوت”

أكد مسؤولون أمريكيون لصحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الخميس، أن الطائرة “إيل-76” التي كانت تقل أسرى …

اترك تعليقاً