بمتابعة الأخبار الاقتصادية نجد بأن معظمها يتحدث عن التضخم الذي وصلت اليه معظم اقتصاديات العالم ، وهنا أود أن نتحدث عن هذه المعضلة التي تعاني منها كل الاقتصادات سواء كانت المتقدمة أم النامية، وهي آخذه بالتزايد، ونتيجة للآثار التي يتركها التضخم على سيرة الحياة بشكل عام والاقتصادية بشكل خاص هذا ما دفع بالاقتصاديين إلى وضع التضخم أحد الأهداف الاقتصادية الرئيسة التي يسعى الاقتصاد الكلي لمعالجته أو للحد منه على أقل تقدير. يعرف التضخم بشكل عام هو الارتفاع العام والمستمر في الأسعار. وبناءا على هذا التعريف إن ارتفاع سعر سلعة ما وخلال مدة محددة لا يمكن اعتباره تضخماً، لأنه غير مستمر وشمل سلعة واحدة ليس جميع السلع والخدمات.
المسألة المهمة التي ينشأ عندها التضخم هي زيادة الطلب على السلع والخدمات كنتيجة لزيادة السكان مثلاً دون أن يقابلها زيادة في إنتاج السلع والخدمات التي تلبي ما زاد من الطلب، كما إن زيادة السيولة النقدية بشكل يفوق زيادة السلع والخدمات أيضاً يؤدي إلى التضخم. حيث إن زيادة الطلب على السلع والخدمات مع ثبات العرض أو زيادة السيولة النقدية بشكل أكبر من الزيادة في انتاج السلع والخدمات، سيؤدي إلى ارتفاع أسعار تلك السلع والخدمات ، والارتفاع بالمستوى العام للأسعار يعني انخفاض قيمة العملة المحلية وانخفاض قيمة العملة المحلية يعني انخفاض القوة الشرائية.
ارتفاع المستوى العام للأسعار الذي يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة المحلية ومن ثم انخفاض القوة الشرائية، يترك آثاراً كبيرة وعديدة على جميع أفراد المجتمع من منتجين ومستهلكين مستوردين ومصدرين، حيث إن جزء كبير من ارتفاع أسعار السلع هو انعكاس لأسعار عوامل الإنتاج هذا ما يعني ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض الأرباح فينخفض عامل التشجيع لدى المنتجين على الإنتاج وهو الربح فينخفض الإنتاج وهذا ما يزيد من سوء الأمر. وارتفاع أسعار السلع والخدمات سينتقل إلى جانب الصادرات فينخفض التصدير بسبب ارتفاع الأسعار.
كما إن ارتفاع المستوى العام للأسعار سيؤثر على المستهلكين إذ إن المستهلك كان قبل الارتفاع على مستوى معيشي أفضل من بعد ارتفاع المستوى العام للأسعار، لان ارتفاع الأسعار إلى النصف على سبيل المثال سيؤدي إلى تراجع المستوى المعيشي للمستهلكين إلى النصف تقريباً. أما بالنسبة للمستوردين سيكونون في حالٍ أفضل، لان الأسعار في الخارج أرخص مما في الداخل فيستوردون الأرخص من الخارج ويتم البيع في الداخل فيحصلون على الفرق.
يمكن علاج التضخم من خلال أهم سياستين هما السياسة المالية والسياسة النقدية وكما يأتي:
أولا: السياسة المالية
تتم معالجة مشكلة التضخم من خلال استخدام أدوات السياسة المالية والتي هي الأنفاق الحكومي والضرائب، فعندما يحصل التضخم يمكن للدولة معالجته بواسطة زيادة حجم الضرائب بصرف النظر عن تفاصيلها، إذ إن زيادة الضرائب ستؤدي إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات فتنخفض الأسعار وينخفض التضخم هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى يمكن اللجوء إلى الإنفاق الحكومي لمعالجة التضخم إذ يمكن أن تقوم الحكومة بضغط الإنفاق الحكومي وهذا ما يعني تخفيض حجم الإنفاق وخصوصاً الإنفاق الاستهلاكي لأنه يؤدي إلى زيادة الطلب ومن ثم التضخم، أما الإنفاق الاستثماري ربما يؤدي إلى تخفيض حدة التضخم لأنه يؤدي إلى زيادة الأسعار بالنسبة للسلع الرأسمالية في بداية الأمر لكن فيما بعد يؤدي إلى انخفاض أسعاره وانخفاض التضخم لأنه أدى إلى زيادة إنتاج السلع والخدمات مقابل ثبات أو زيادة الطلب بنفس النسبة.
ثانياً: السياسة النقدية
كما تم استخدام السياسة المالية بواسطة أدواتها المتمثلة بالإنفاق والضرائب لمعالجة التضخم كذلك يمكن استخدام السياسة النقدية وبواسطة أدواتها المتمثلة سعر الفائدة ونسبة الاحتياطي النقدي وعمليات السوق المفتوحة، لمعالجة مشكلة التضخم.
ذكرت سابقاً إن التضخم يمكن أن يحصل كنتيجة لزيادة السيولة النقدية مع ثبات المعروض من السلع والخدمات أو تحصل زيادة في السيولة بمعدل أسرع من زيادة أنتاج السلع والخدمات هذا ما يدفع إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات فترتفع الأسعار ويحصل ما يعرف بالتضخم، ومن أجل معالجة التضخم تلجأ الدولة إلى استخدام أدوات السياسة النقدية، مثلاً تعمل على رفع سعر الفائدة هذا يؤدي إلى سحب السيولة النقدية من الأسواق لان الجميع يبحث عن الأرباح وبما إن ارتفاع سعر الفائدة يحقق الأرباح مع عدم التأكد بظروف السوق مستقبلاً، عندها سيلجأ المستثمرون إلى إيداع أموالهم في المصارف للحصول على سعر الفائدة، فتنخفض السيولة النقدية والطلب والتضخم.
كما يمكن أن يلجأ البنك المركزي إلى سياسة نسبة الاحتياطي النقدي الذي يعني كمية الأموال التي يجب أن تحتفظ بها البنوك لدى البنك المركزي وهذا الأخير هو الذي يقرر نسبة الأموال التي يجب أن تؤديها البنوك لديه تبعاً للظروف الاقتصادية، فإذا حصل التضخم يرفع البنك المركزي هذه النسبة فتنخفض قدرة البنوك على منح الائتمان ومن ثم انخفاض الطلب فتنخفض الأسعار ومن ثم التضخم، والعكس صحيح في حالة حصول الانكماش.
كذلك يمكن أن يلجأ البنك المركزي إلى سياسة عمليات السوق المفتوحة لمعالجة التضخم، فعند حصول التضخم يدخل البنك المركزي إلى سوق الأوراق المالية كبائع للأوراق المالية، إذ إن بيع الأوراق المالية مقابل النقود التي يحصل عليها يعني سحب السيولة النقدية من الأسواق ومن ثم انخفاض الطلب والتضخم؛ لان دخول البنك المركزي كبائع إلى الأفراد والبنوك التجارية والمؤسسات المالية، سيؤدي إلى تقليص الاحتياطيات النقدية لدى البنوك التجارية وتقل قدرتها على منح الائتمان فينخفض الطلب كنتيجة لانخفاض الإنفاق فيتلاشى التضخم.
إن أدوات السياسة النقدية التي تم تناولها أعلاه تسمى بالأدوات الكمية وفي حال لم تؤدي إلى نتيجة مرغوبة يمكن اللجوء بالإضافة إلى الأدوات الكمية إلى استخدام الأدوات النوعية التي يمكن الإشارة إلى بعض منها وكما يأتي:
1- تنظيم الائتمان الاستهلاكي كأن يرفع البنك المركزي قيمة القسط الأول أو تقصير مدد السداد ففي كلا الحالتين سينخفض الطلب على الائتمان فينخفض الإنفاق ومن ثم التضخم.
2- الإقناع الأدبي كأن يقوم البنك المركزي في حالة التضخم بتوجيه دعوة إلى إدارات البنوك الأخرى إلى توخي الحيطة والحذر في سياساتهم الاقراضية والاستثمارية.
3- التأثير المباشر وذلك من خلال فرض العقوبات على البنوك التي تنتهج ممارسات غير ملائمة من وجهة نظر السياسة النقدية كأن يرفض البنك المركزي إجراء عملية إعادة خصم لصالح البنوك التجارية عند إعلان عدم موافقته على سياساتها الاستثمارية، أو يرفض إمداد البنوك التجارية بالاحتياطات النقدية الإضافية في حال تجاوز قروضها الحدود العليا المقررة.
هذه أبرز حلول التضخم التي يمكن أن يلجأ إليها صاحب القرار لمعالجة مشكلة التضخم وبالتأكيد أن استخدام هذه الحلول بشكل معاكس لما تم تناوله أعلاه، سيؤدي إلى معالجة مشكلة الانكماش المتمثلة بالركود وانخفاض النشاط الاقتصادي.
المصدر: موقع صحيفة مال
كتب صالح بن عبدالله الشمراني