كيف يفشل الرؤساء في مهامهم وعملهم؟
سؤال قد يتبادر الى ذهن كل شخص، خصوصا اؤلائك الاشخاص ممن يحملون افكاراً عظيمة، بينما يطارد الفشل مؤسساتهم منذ عقود وعقود.
او تلك الجماعات التي تريد ان تغير واقع حياتها، او وجه التاريخ، او البناء الحضاري الحديث، ولكنها تقبع في الحضيض تكاد لا تخرج من مشكلة حتى تغرق بأصعب منها..
وهنا يتبادر الى الذهن:
كيف يفشل الرؤساء ولماذا؟
وكيف تفشل الدول وتنهار المجتمعات وتسقط المؤسسات؟
وهذا ليس ببعيد عن الجمعيات، والاحزاب، وحتى عند الجماعات البدائية والاولية نجده، وايضا عند العصابات والمافيا.
فكيف تنهار تلك الهرميات، وتسقط، ثم ما تلبث ان تنكشف فتتساقط وتتلاشي وتختفي.
الجواب، هو بسيط جدا على تعقيداته الاجتماعية والثقافية والسياسية والادارية، ولكنه رغم كل التعقيدات في التحليل والتنظير، الا أن السبب بسيط جدا ما ان ذهبنا اليه رأساً دون ايجاد اعذار، او الغرق في الابحاث والتحليل والتدليل لاكتشافه.
سؤال على هامش الموضوع،
من منكم لم يحضر الفيلم المصري الكوميدي الساخر (طباخ الريس)؟
هذا الفيلم بصراحة، يعالج اهم، واخطر نقطة، واخطر اسباب سقوط الرؤساء ..
ومن لم يحضره او حضره ولم يفهمه اقترح عليه اعادة مشاهدته بتركيز اكبر، وليس للفكاهة، انما للنقد السياسي-الاداري-الاستراتيجي، ولفهم حقيقة عزل الرئيس عن الشعب، والمجموع العام لأليات اتخاذ القرار الحقيقي، وحصره بجماعة اعطت لنفسها حق تقرير حياة، ومصير الرئيس، لا بل تحكمت بأكله وشربه وطبيعة علاقته، وزياراته، وقراراته الداخلية والخارجية، وعزلته عن الشعب لتعيّشيه في وهمٍ عظيم ..
طبعا، هذه ليس دعوة او دعاية اشهار لهذه الفيلم، فهو معروف جدا، ولكن اردت ان اختصر، لعل في ذلك يساهم في فهم الاسباب الرئيسية في فشل الرؤساء الحقيقية، وتحولهم الى مجرد ادوات يتحكم بها بعض المستشارين والمقربين الذي يجعلون من انفسهم المجالس المصغرة التي تتحكم بحياة الرئيس، فترميه في الحضيض، وتحوله الى شخصيةٍ مكروهةٍ، بالرغم من انه قد يكون عكس ذلك تماما، ولكن هذه المجموعة الخبيثة، ولحب السيطرة والتحكم، تجعل من الرئيس بعبع، وشخصية مكروهة بعيدة عن الناس وعن مشاكلها …، فتصبح كالسراب في حياتها تسمع به ولا تراه …، وترمي بكل ثقل مشاكلها وفشلها عليه، رغم ان الفشل الحقيقي يأتي من الزمرة العفنة التي تحيط بهذا الرئيس، او ذاك. وتتحكم بمفاصل الحكم والقرار..، فتتحول معهم الادارات الى غابة من الفوضى والترهل والسقوط.
نعم، هي هذ الفئة، التي تسمى حالها : المستشارين، او المجالس المصغرة، او الدائرة الصغرى، او المحيط الضيق، او المصادر المضطلعة، كلها لها نفس العمل مع اختلاف اسمائها، ومسافة قربها او بعدها عن الدائرة الصغرى المحيط بالرئيس مباشرة.
إذا، فشل الرؤساء لا يأتي منهم مباشرة، مع انهم هم المسؤول الاول عن الفشل ادبياً، لسبب عدم حسمهم في اغلب الامور، وتركها لهذه الدوائر المصغرة بالتحكم، والتي ما تلبث ان تصبح الامر الناهي حتى تعدمه العافية، وتحوله الى مجرد “مريونة” يتم التحكم بها كيفما شاءوا.
– تعطيه الهالة،
ولكنها تسلبه الارادة.
– تعطيه الشخصية،
ولكنها تسلبه القرار.
– تعطيه الرتب والتكريمات،
ولكنها تسلبه الروح القيادية.
فيتحول معها الى دمية يسهل تحريكها مع المحافظة على الهالة والشخصية والتفخيم والتبجيل الشكلي للرئيس.
اذا، وكي لا نطيل اكثر، إن اهم اسباب فشل الرؤساء هم تلك المجموعة من الطبالين الذين يحيطون بها، ويسيطرون على مفاصل الادارة الضيقة القريبة من الرؤساء، فيأتون بأشخاص يتحكمون بهم ويزرعونهم من حوله في كل صغيرة وكبيرة، وينفذون كل المهام التي تُطلب منهم، ويضعونهم تحت سيطرتهم بشكل مباشر شريطة تفخيم الرئيس والنفخ فيه، بينما الكلمة الاولى والاخيرة لهم، ويعودون اليهم بكل شاردة وواردة، وعبرهم يُعطّلون كل عمل او مهام خطيرة من شأنها ان تنهض بالمؤسسات، وكلما حاول احدهم النجاح والتقدم، وعبر نفس تلك الادوات يقومون بالتخريب والتدمير او ما يعرف بسياسة (وضع العصي بالدواليب).
ولا ننسى بان ادواتهم، تكون دائما ذكية سريعة البديهة، تعطيك من طرف اللسان حلاوة ولكنها تعمل ضدك بامتياز، تظهر لك الود والتقدير وفي الخفاء هي اسوأ مما يتصوره عقل. هذه المجموعة تعمل لحساب المجالس المصغرة، او المستشارين، وتخضع لها، وتأتمر بأمرها، وتمرر عبرها كل سياساتها، والتي معها تتحول الرؤساء الى مجرد اركوزات ذات فخامة وهيبة بالشكل لكنها مسلوبة حتى حرية التفكير القويم واتخاذ القرار الصحيح..
ونأخذ مثال على ذلك، الرئيس الاميركي بايدن، فهو شخصية هرمة فاقدة للأهلية العقلية، ولكنها تقود اكبر دولة في الحديث المداوم، وتكاد لا تتذكر شيء حتى من خطابها، ولكنها تتمتع بحصانة الرؤساء ولا يمكن مساءلتها ..، وهي لا تقود الا بالشكل، واذا اردنا تقييمها العقلي والارادي في معدل 214 دولة معترف بها، يكاد يكون بايدن في الترتيب 200 في هذه العجز الشخصي، وبهذا يأتي خلفه محمود عباس ابو مازن رئيس السلطة الفلسطينية في الترتيب 201 اذا ما قلنا الاخير ونعطي هاتين الشخصيتين مثالا لسبب انهما تخضعان لأجهزة تتحكم بمصيرها وهي تكاد لا تسيطر حتى على علاقتها الحميمية-السريرية.
وبهذا قس على الجمعيات والاحزاب ايضا، هناك مجالس مصغرة تسيطر على حركة الرؤساء، وتحولها الى مسخرة تكاد تفقد الاحترام حتى من أصغر اعضاء احزابها، واكثرهم جهلا في الأمور، لأنها تفقد الثقة بها.
وبالمقابل هذه المستشارية والمجالس المصغرة حقيقة هي التي تسيطر فعليا، وتتحول معها الاحزاب والجمعيات الى مسخرة لا مسخرة بعدها تنقسم على ذاتها مرارا وتكرارا لأنها تعجز من الخروج من عنق زجاجة أزمتها ومع مرور الزمن تستفحل لتصبح سلوكاً عاماً تنتهجه وتمارسه الادارات المتعاقبة والمتتالية خصوصا في حال بقاء الدوائر المصغرة في مكانها مع تبدل الرؤساء.
باختصار: ما لم تقد الرؤساء هي مباشرة، وتكون على اتصال مباشر مع المجموع العام للشعب والفروع والمؤسسات، وتقوم بعملية محاسبة دورية، تسقط سقوطا مريعا وتتكلف وفق تقييم نديم الجميل السياسي لتاريخها النضالي (بهضاً عظيما) يجعلها في الهاوية السحيقة بشكل يصعب الخروج من حفرتها فتصبح مكروهة من شعبها ومحازبيها كرها عظيما يحولها الى افراد وبنفس سياسة نديم الجميل (لا تحترم حتى: كلام مسؤوليتها) فحينها حدث ولا حرج.
فتصبح هي لنفسها (العدو الغشيم)
الدكتور هاشم حسين
باحث في علم الاجتماع والتنمية
12\11\2023