الثلاثاء , 23 أبريل 2024

الدولار… وحفلة المسخرة

ما هو الدولار؟

هو سلاح ورقي صنعته الارادة الاجنبية بعد الحرب العالمية الثانية ليكون أرخص سلاح يتم تصنيعه لقتل البشرية عموما، وللقضاء على الاعداء المحتملين للجماعات المصنعة له، بعد ان كان لردح من الزمن مجرد عملة ورقية لا قيمة لها الا بمقدار القوة الشرائية الانية فقط.

تتطور استخدام هذا السلاح تدريجيا، بعد ان أعفى نفسه من القيود المعدنية، او المخزون العام، او الاحتياطي من الذهب،، ومع سبعينيات القرن الماضي استطاع هذا السلاح ان يكون بديلا شاملا للتعامل مقابل الذهب والنفط ليكون هو فيما بعد الاحتياط وليس العكس، فحيّدهما تدريجياً معاً، ليصبح هو السلاح الاقوى بيد مجموعة الشر الدولية التي اخذت تستخدمه بعنف شديد للسيطرة على الامم والشعوب، ولاستعمارها عن بُعد، ودون ان تخسر نقطة دمٍ واحدة، وحين كانت تفشل هذه الدول بمكانٍ ما، تتدخل عسكريا عبر جيوش المرتزقة، وتقوم بتدمير الدول بحجة تحريرها من النظم الدكتاتورية فيها لنشر الحرية، وفي الواقع كانت تنشر الدمار والخراب والصراعات المذهبية والاثنية، والامثلة كثيرة لا داعٍ لسردها هنا…

لبنان والدولار

لم يختلف لبنان عن غيره في مسألة استخدام الدولار على ارضه كأحد اسلحة الدمار الشامل لتدميره من قبل اعدائه، او لتدميره الذاتي، فهو، ومنذ أكثر من خمسين سنة، وهذا الدولار يعبث به، وعند كل مفترق يكون السلاح الأمضى والاسرع لتخريبه ولتدميره، وللمساهمة في انهياره حين يعجز اصحاب المشاريع على تدميره بوسائل الحرب الاعتيادية،

فكما قبل الحرب الاهلية سنة 1975، كذلك في الثمانينات والتسعينيات كان الدولار احد اسلحة المعركة الرئيسية، لا بل هو احد الاسلحة الفاعلة ايضا في انهاء الحرب في اوائل التسعينيات الى اواسطها لإعطاء فرصة للنهج الجديد، ريثما يوطد قوته، وسيطرته، ويحكم هذا البلد ويطبق عليه تحت مبدأ : الانماء والاعمار …، وكانت السياسة العامة، والحريرية خاصة تعتمد الدولار كأحد اهم اسلحتها ذات الذراع الطويلة في السيطرة على الحكم لناحية ولتثبيت سعره بما يخدم مصلحة السياسة والحكم من ناحية ثانية ..، فوافق معه المشغلون، ومنحوه الفرصة، ونجح نجاحاً كبيراً في هذا الشأن، وبعد موت الحريري الاب بقيت الحال بين شد وجذب الى ان سقط المشروع الحريري، فعادت حليمة الى عادتها القديمة… لتتلاعب بالدولار تدريجيا..

انهيار العملة الوطنية مقابل الدولار واسبابه

واهمٌ الذي يعتقد بان سبب انهيار العملة الوطنية مقابل الدولار في لبنان هو سبب اقتصادي، فلبنان اساساً لا يعتمد على الاقتصاد في قيامته كدولة، ولا يوجد عنده اي مقوم اقتصادي يمكن للدولار ان يتأثر به صعوداً او هبوطاً، فالدولار في لبنان هو عملة ثانوية تخضع للعرض والطلب وفق الأجندة السياسية فقط، ولا علاقة له بالاقتصاد الوطني، لا بل اللبنانيون كانوا وما زالوا يتعاملون بالدولار معاملة وطنية اي كعملة وطنية ولفترة طويلة من الزمن، ومازالت مستمرة مقابل قيمة افتراضية دون النظر الى السعر الرسمي في البنوك…، فكان الدولار يعادل الف وخمسمئة ليرة ثابتة الحركة مقابل تلك المعدومة دون اي تأثر بالحركة المالية البنكية التي كانت تتأثر داخليا، وبشكل محصور داخل جدرانها بالتسعيرة الدولية للبورصة، ولكنها تبقى خارج التداول الشعبي الذي يعتبر القيمية ثابتة له غير متحركة…

اذا، الدولار في لبنان هو شأن سياسي وليس اقتصادي، ومن يقول عكس ذلك هو مخادع، او يحاول ان يوهم الشعب باقتصادٍ وهمي لتمرير مشاريعه، ان الدولار ولكي يكون قوة اقتصادية فاعلة يحتاج الى مشاريع اقتصادية حقيقية وفاعلة، وهذا غير متوفر في لبنان …ولهذا، ان السبب الرئيسي لانهيار العملة الوطنية في لبنان هو: القرار السياسي الصرف.

ارتفاع سعر الصرف

إذا، القرار الذي يتأثر به سعر الصرف هو قرار سياسي تام، وكما ذكرنا لا علاقة للشأن الاقتصادي فيه، وإذا تلاحظون حقيقة، بان سعر الصرف ليس سعراً موحداً بين الشعب والدولة في لبنان، او بين قطاع وقطاع، او بين السوق الاستهلاكية والسوق البنكية، او بين منصة التوجيه المركزية وبين حركة تناقل الدولار اليدوية بين ابناء الشعب،

فللدولار اسعار مختلفة تختلف باختلاف المشغل لهذا القطاع، او هذه المنصة واهدافها السياسية وليس الاقتصادية..، والسعر الرسمي للدولة ولغاية اليوم هو التسعيرة المركزية الاصلية (1507)، ورغم ذلك ولسبب سياسي البنوك نفسها تخدع نفسها باستخدام منصة تسميها: صيرفة

وهذه المنصة هي للنصب والاحتيال بين الاستيراد والتصدير للدولار نفسه، فتكسب الدولة بفرق العملة لحساب الشجع السياسي..

وقس على ذلك الاستخدام المختلف بين قطاع وقطاع، فتجد بان كل قطاع ينصب على الاخر بفرق العملة وسعر الصرف الى ان تصل الى الشعب الذي ينصب على نفسه ليعوض فرق العملة بين التعامل الاستهلاكي اليومي والاسعار الاخرى بين الرسمية والصيرفة وغيرها..

فسعر الدولار حين يتخطى ال 50 ألف ليرة عمليا هو يخدم الشعب الذي يبحث عن تغطية بديلة لتأمين الفرق لانهيار القوة الشرائية عنده للقيمة الفعلية للأجور، والتي تخضع لموازين مزاجية لا قيمة حقيقية لها في التعامل اليومي كقوة شرائية تؤمن احتياجات الشعب، فيلجأ الشعب نفسه الى اللعب في السوق السوداء…

هو يرضى بمعاش ثلاثمئة دولار شهريا مقابل سعر صرف قد يصل الى مئة ألف ليرة لتعويض الفرق…

ومن هنا نجد بان سعر الصرف الجنوني مؤخرا ليس قراراً اقتصادياً كما ذكرنا، انما هو قرار سياسي بامتياز تسيطر عليه القوة الفعلية التي تدير قوة نهم الشعب لتامين فارق الانهيار، ولتأمين البديل عن عدم وجود قوة شرائية حقيقية لدى الشعب..، فيلجأ للتعويض عبر السباحة في السوق السوداء، ولو كلّفه ذلك بان يصل الدولار مئة الف، فهو يخدم الشعب لأنه يظن نفسه انه يعوض ضعف هذه القوة الشرائية عنده..

الشعب والدولة

كي لا نطيل كثيرا، ان المصلحة بين الدولة والشعب في لبنان تكاد تكون شبه معدومة، فلا الشعب يحتاج دولة، ولا الدولة تحتاج شعب، فهما طرفي نقيض في لبنان، وكل طرف يسعى الى تأمين مصلحته ولو على حساب الاخر بمعادلة قلّ نظيرها في كيفية نشوء الدول وقيامتها وحياتها وانهيارها…

  • فالدولة اللبنانية بالنسبة للشعب هي مجرد وهم قائم على تقاسم المصالح بين قوى السيطرة السياسية والمذهبية
  • والشعب بالنسبة للدولة هو مجرد مجموعة من البشر تعيش بالإيجار الاجتماعي، تنظم له اموره بقوة منطق وجودها ووجوده في نفس المكان والزمان الحُكمية، وليس بمنطق النشأة وقيامة الدولة.. اي ان كليهما مفروض على الاخر بقوة قرار الاستعمار عينه الذي جعل من الدولار بمنطق السياسة الرابط الوحيد بين الدولة والشعب.. فيتحكم احداهما بالأخر وفق هذه المصلحية فقط..

يعني بصراحة لو صار الدولار بمليون ليرة لبنانية.. ستخرج اصوات محذرة كالعادة وتقول: الدولار سيتخطى المليون والدولة لن تحرك ساكنا..

وهذا التحذير سيكون مجرد تحذير رفاهي لا أكثر..، لان الشعب سوف يتعامل في السوق السوداء مع الدولار بمليون ومئة الف، وهو سعيدٌ بان الثلاثمئة دولار اصبحت تساوي له اربعمئة وخمسون مليون ليرة لبنانية بعد ان كانت تساوي له فقط ستة عشر مليونا وخمسمائة الف ليرة بسعر 52 الف ليرة للدولار مثلا..

وسيستمر اللبناني بالتأقلم وسيقيس من جديد بوحدة قياس جديدة تنسيه الوحدة السابقة ببراعة قلّ نظيرها لسبب بسيط:

لأنه يعيش على فيّاله ولا يهمه اصلاً وجود الدولة..

والدولة ستشعر بانها سعيدة لأنها استطاعت ان تطوع الشعب وفقا لتفكير (مهابيلها)، ولكنها هي تجهل بان الشعب اصلا (مش قاريها من ارضها)..

نختم:

ان قرار انهيار العملة الوطنية في لبنان، هو قرار سياسي بامتياز ومن يقول عكس ذلك، هو مجرد انسان غبي لا يفقه معنى قيامة الدولة، واقتصاد الدولة، وماذا يعني قيامة الشعب واقتصاد الامة…

فلهذا، ان ارتفاع سعر الدولار في لبنان لا علاقة له لا من بعيد ولا من قريب بالشأن الاقتصادي، فهو مجرد حراك سياسي فاشل يتحكم به تجار العملة المنتشرون على الطرقات ومن يشغلهم من الخلف من اهل السياسة والمال وهم يلوّحون بفئات المئة ألف ليرة بيدهم … وينادون: قرب وجرب الواحد بمية … قرب وجرب … الرزمة بعشرة … يا رخص الفجل يا مية ألف …

وكي لا نتفاءل كثيرا، ان الاستمرار في انهيار العملة الوطنية سياسهم حقيقة بإشعال فتيل الحرب الاهلية، ليس لحاجتها كحرب تحقق مصالح الشعب او الدولة ، انما لحاجة الشعب والدولة معاً لمصادر دخل جديدة لا يمكن تأمينها الا بالحرب والذبح .. وتأمين السلاح الذي يستجلب معه شوالات ابو حز احمر مليئة بالدولارات وارواح البشر الميتة اصلا.

الى شعب لبنان العظيم

هنيئا لكم سيركم نحو حتفكم الاخير…

فيموت الشعب حين يسلم رأسه للذباحين كالأغنام في المسالخ.. تثغوا للماء فيقدم لها مجاناً ولكنها لا تدرك بان حتفها خلف هذا الثغاء وبعد شربة الماء الاخيرة هذه…، وهذا حالكم ايها الشعب مع ساسة اتقنت فن الذبح في الحرب والسلم… وما زالت تعدكم بغدٍ أفضل.. وما يزداد الشعب الا ثغاء… يهرول خلف سعر الصرف ويحوّله الى حفلات نكات يومية ومسخرة بينما هو يقود نفسه الى المشحرة بكثرة الثرثرة وقلة الحيلة والاستهزاء يعيش فصول حياته الاخيرة بمسرحية اسمها الدولار وحفلة المسخرة.. والسلام ختام

رحم الله شعب استيقظ قبل حتفه الاخير..

وعليكم السلام

وألف تحية

لتحي سورية

الرفيق هاشم حسين

كوتونو-بنين

24\01\2022

شاهد أيضاً

تأكيدا لتصريحات الروس مسؤولون أمريكيون يؤكدون أن الطائرة “إيل-76” أُسقطت بصاروخ “باتريوت”

أكد مسؤولون أمريكيون لصحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الخميس، أن الطائرة “إيل-76” التي كانت تقل أسرى …

اترك تعليقاً